كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 3)
*أمن آل نُعْمٍ أنت غاد مبكر ... غداة غد أم رائح فمهجر*
فأنشد ابن ربيعة القصيدة إلى آخرها وهي قريبة من سبعين بيتاً، ثم إنّ ابن عباس أعاد القصيدة جميعاً وكان حفظها بمرّة واحدة. ثم بين سبحانه وتعالى ما حمل المؤمنين على الشعر وهو انتصارهم من المشركين بقوله تعالى: {وانتصروا} أي: بهجوهم الكفار {من بعدما ظلموا} بهجو الكفار لهم لأنهم بدؤا بالهجاء، ثم أوعد شعراء المشركين وغيرهم من الكفار بقوله تعالى: {وسيعلم الذين ظلموا} بالشرك وهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم {أي: منقلب} أي: مرجع {ينقلبون} أي: يرجعون بعد الموت، قال ابن عباس: إلى جهنم والسعير، وفي هذا تهديد شديد لما في سيعلم من الوعيد البليغ، {وفي الذين ظلموا} من الإطلاق والتعميم وفي {أيّ منقلب ينقلبون} من الإبهام والتهويل، وقد تلا أبو بكر لعمر رضي الله عنهما حين عهد إليه هذه الآية.
اللهمّ اجعلنا ممن جعل هذه الآية بين عينيه فلم يغفل عنها، وروى الثعلبي في تفسيره عن ابن عباس: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت السورة التي تذكر فيها البقرة من الذكر الأوّل وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم السورة التي تذكر فيها البقرة من تحت العرش وأعطيت المفصل نافلة» وعن أنس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله أعطاني السبع مكان التوراة وأعطاني الطواسين مكان الزبور وفضلني بالحواميم والمفصل ما قرأهنّ نبيّ قبلي» ، وما رواه البيضاويّ تبعاً للزمخشريّ من أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة الشعراء كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح وكذب به وهود وشعيب وصالح وإبراهيم وبعدد من كذب بعيسى وصدّق بمحمد صلى الله عليه وسلم حديث موضوع.
سورة النمل
مكية وهي ثلاث أو أربع أو خمس وتسعون آية، وألف ومائةوتسع وأربعون كلمة، وأربعة آلاف وسبعمائة وتسعة وتسعون حرفاً
{بسم الله} أي: الذي كمل علمه فبهرت حكمته {الرحمن} الذي عمّ بالهداية بأوضح البيان {الرحيم} أي: الذي منّ بجنات النعيم على من اتبع الصراط المستقيم.
{طس} قال ابن عباس: هو اسم من أسماء الله عز وجلّ، وقد سبق الكلام في حروف الهجاء عليه، وقرأ حمزة والكسائي وشعبة، بإمالة الطاء، والباقون بالفتح.
{تلك} أي: هذه الآيات العالية المقام البعيدة المرام البديعة النظام {آيات القرآن} أي: الكامل في قرآنيته الجامع للأصول الناشر للفروع الذي لا خلل فيه ولا فصم ولا صدع ولا وصم {وكتاب مبين} أي: مظهر الحق من الباطل، فإن قيل: كيف صح أن يشار لاثنين أحدهما مؤنث والآخر مذكر باسم الإشارة المؤنث ولو قلت تلك هند وزيد لم يجز؟.
أجيب من ثلاثة أوجه: أحدها: أنّ المراد بالكتاب هو الآيات لأنّ الكتاب عبارة عن الآيات المجموعة فلما كانا شيئاً واحد صحت الإشارة إليهما بإشارة الواحد المؤنث، الثاني: أنه على حذف مضاف أي: وآيات كتاب مبين، الثالث: أنه لما ولي المؤنث ما تصح
الصفحة 41
604