كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 3)
فعملا بمقتضاه، عطف عليه قوله: {وقالا} شكراً عليه ودلالة على شرف العلم وتنبيهاً لأهله على التواضع {الحمد} أي: الإحاطة بجميع أوصاف الكمال {لله} أي: الذي لا كفء له {الذي فضلنا} أي: بما آتانا من النبوّة والكتاب وتسخير الشياطين والجنّ والإنس وغير ذلك {على كثير من عباده المؤمنين} أي: ممن لم يؤت علماً أو مثل علمهما، وفي ذلك تحريض للعالم أن يحمد الله تعالى على ما آتاه من فضله ويعتقد أنه وإن فضل على كثير فقد فضل عليه كثير، فلا يتكبر ولا يفتخر ويشكر الله تعالى، وينفع به المسلمين كما نفعه الله تعالى به، ثم إنه تعالى أشار إلى فضل سليمان بأنه جمع إلى ما آتاه ما كان منح به أباه بقوله تعالى:
{وورث سليمان داود} أباه عليهما السلام دون سائر أولاده وكان لداود تسعة عشر ابناً فأعطي سليمان ما أعطي داود من الملك وزيد له تسخير الريح وتسخير الشياطين، قال مقاتل: كان سليمان أعظم ملكاً من داود وأقضى منه، وكان داود أشد تعبداً من سليمان، وكان سليمان شاكراً لنعم الله تعالى {وقال} تحدّثاً بنعمة ربه ومنبهاً على ما شرّفه الله تعالى به ليكون أجدر في قبول الناس ما يدعوهم إليه من الخير {يا أيها الناس علمنا} أي: أنا وأبي بأيسر أمر وأسهله {منطق الطير} أي: فهم ما يريده كل طائر إذا صوّت، فسمى صوت الطير منطقاً لحصول الفهم منه كما يفهم من كلام الناس.
روي عن كعب الأحبار أنه قال: صاح ورشان عند سليمان عليه السلام فقال أتدرون ما يقول: قالوا: لا قال: إنه يقول: لدوا للموت وابنوا للخراب، وصاحت فاختة فقال: أتدرون ما تقول قالوا: لا قال: فإنها تقول: ليت ذا الخلق لم يخلقوا، وصاح طاووس فقال أتدرون ما يقول: قالوا: لا قال: فإنه يقول: كما تدين تدان، وصاح هدهد فقال أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا قال: فإنه يقول: من لا يرحم لا يرحم، وصاح صرد فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا لا قال فإنه يقول: استغفروا الله يا مذنبين، وصاح طيطوى فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا لا قال فإنه يقول: كل حيّ ميت وكل جديد بال، وصاح خطاف فقال: أتدرون ما يقول قالوا: لا قال فإنه يقول: قدّموا خيراً تجدوه، وهدرت حمامة فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا، قال فإنها تقول: سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه، وصاح قمري فقال: أتدرون ما يقول قالوا: لا، قال: فإنه يقول سبحان ربي الأعلى، قال والغراب يدعو على العشار، والحدأة تقول كل شيء هالك إلا الله، والقطاة تقول من سكت سلم، والببغاء تقول ويل لمن الدنيا همه والضفدع يقول سبحان رب القدّوس، ويقول أيضاً سبحان ربي المذكور بكلّ لسان، والباز يقول سبحان ربي وبحمده، وعن مكحول قال: صاح دراج عند سليمان فقال أتدرون ما يقول هذا؟ قالوا: لا قال: فإنه يقول: الرحمن على العرش استوى.
وروي عن فرقد السنحيّ قال مرّ سليمان على بلبل فوق شجرة يحرّك رأسه ويميل ذنبه فقال لأصحابه أتدرون ما يقول هذا البلبل؟ قالوا الله ونبيه أعلم قال يقول أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء: وهو بالفتح والمدّ التراب، وقال أبو عبيد: هو الدروس، وفي حديث صفوان: «إذا دخلت بيتي فأكلت رغيفاً وشربت عليه فعلى الدنيا العفاء» ، وروي أنّ جماعة من اليهود قالوا لابن عباس إنا سائلوك عن سبعة أشياء فإن أخبرتنا آمناً وصدّقنا، قال: اسألوا تفقهاً ولا تسألوا تعنتاً، قالوا: أخبرنا ما يقول القنبر في صفيره والديك في صعيقه
الصفحة 46
604