كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 3)
أي: فهلا {ألقي عليه} عند مرسله الذي يدعي أنه الملك بالحقيقة {أساورة} وقرأ حفص بسكون السين ولا ألف بعدها كالأحمرة، والباقون بفتح السين وألف بعدها فأسورة جمع سوار كحمار وأحمرة وهو جمع قلة وأساور جمع أسوار بمعنى سوار يقال: سوار المرأة وإسوارها والأصل: أساوير بالياء فعوض من حرف المد تاء التأنيث كزنديق وزنادقة وبطريق وبطارقة، وقيل: بل هي جمع أسورة فهي جمع الجمع قاله الزجاج، والسوار ما يوضع في المعصم من الحلية {من ذهب} ليكون ذلك إمارة له على صحة دعواه كما نفعل نحن عند إنعامنا على أحد من عبيدنا بالإرسال إلى ناحية من النواحي لمهم من المهمات، إذ كان من عادتهم أنهم إذا جعلوا واحداً منهم رئيساً لهم سوروه بسوار من ذهب وطوقوه بطوق من ذهب فطلب فرعون من موسى عليه السلام مثل عادتهم {أو جاء معه} أي: صحبته عندما جاء إلينا بهذا النبأ الجسيم والملم العظيم {الملائكة} أي: هذا النوع وأشار إلى كثرتهم بما بين من الحال بقوله: {مقترنين} أي: يقارن بعضهم بعضاً بحيث يملؤون الفضاء ويكونون في غاية القرب منه بحيث يكون مقارناً لهم ليجاب إلى هذا الأمر الذي جاء يطلبه كما نفعل نحن إذا أرسلنا رسولاً إلى أمر يحتاج إلى دفاع وخصام ونزاع، فكان حاصل أمره كما ترى أنه تعزز بإجراء المياه فأهلكه الله تعالى بها، إيماء إلى أن من تعزز بشيء دون الله تعالى أهلكه الله به واستصغر موسى عليه السلام وعابه بالفقر والعي فسلطه الله تعالى عليه إشارة إلى أنه ما استصغر أحد شيئاً إلا غلبه، أفاده القشيري.
{فاستخف} أي: بسبب هذه الخدع التي سحرهم بها في هذا الكلام الذي هو في الحقيقة محقر له موهن لأمره قاصم لملكه عند من له لب {قومه} الذين لهم قوة عظيمة فحملهم بغروره على ما كانوا مهينين له من خفة الحلم {فأطاعوه} أي: بأن أقروا بملكه واعترفوا بربوبيته وردوا أمر موسى عليه السلام {أنهم كانوا} أي: بما في جبلاتهم من الشر {قوماً فاسقين} أي: غريقين في الخروج عن طاعة الله تعالى إلى معصيته فلذلك أطاعوا ذلك الفاسق.
{فلما آسفونا} أي: أغضبونا في الإفراط في العناد والعصيان منقول من أسف إذا اشتد غضبه، حكي أن ابن جريج غضب في شيء فقيل له: أتغضب يا أبا خالد فقال: قد غضب الذي خلق الأحلام إن الله تعالى يقول: {فلما آسفونا} أي: أغضبونا {انتقمنا منهم} أي: أوقعنا بهم على وجه المكافأة بما فعلوا برسولنا عليه السلام عقوبة عظيمة منكرة مكروهة كأنها بعلاج {فأغرقناهم أجمعين} أي: إهلاك نفس واحدة لم يلفت منهم أحد على كثرتهم وقوتهم وشدتهم.
تنبيه: ذكر لفظ الأسف في حق الله تعالى وذكر لفظ الانتقام كل واحد منهما من المتشابهات التي يجب تأويلها فمعنى الغضب في حق الله تعالى: إرادة العذاب ومعنى الانتقام: إرادة العقاب بجرم سابق وقال بعض المفسرين: معنى آسفونا: احزنوا أولياءنا.
{فجعلناهم} أي: بأخذنا لهم على هذه الصورة من الإغراق وغيره مما تقدمه {سلفاً} أي: متقدماً لكل من يهلك بعدهم إهلاك غضب في الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة أو قدوة لمن يريد العلو في الأرض فتكون عاقبته في الهلاك في الدارين أو إحداهما عاقبتهم كما قال تعالى: {وجعلناهم أئمة يدعون
الصفحة 568
604