كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 3)

الثانية وإبدالها أيضاً ألفاً وقرأ الباقون بتحقيقهما.
تنبيه: كل من الظرفين متعلق بما بعده لأن إله بمعنى معبود أي: معبود في السماء ومعبود في الأرض وحينئذ يقال: الصلة لا تكون إلا جملة أو ما في تقديرها وهو الظرف وعديله ولا شيء منهما هنا؟ أجيب: بأن المبتدأ حذف لدلالة المعنى عليه وذلك المحذوف هو العائد تقديره وهو الذي هو في السماء إله وهو في الأرض إله، وإنما حذف لطول الصلة بالمعمول فإن الجار متعلق بإله ومثله ما أنا بالذي قائل لك سوأ {وهو الحكيم} أي: البليغ الحكمة في تدبير خلقه {العليم} أي: البالغ في علمه بمصالحهم.
{وتبارك} أي: وثبت ثباتاً لا يشبهه ثبات لأنه لا زوال له مع اليمن والبركة وكل كمال فلا شبيه له حتى يدعى أنه ولد له أو شريك. ثم وصفه تعالى بما يبين تباركيته واختصاصه بالألوهية فقال عز من قائل: {الذي له ملك السموات} أي: كلها {والأرض} كذلك {وما بينهما} أي: وما بين كل اثنين منهما، والدليل على هذا الإجماع القائم على توحيده عند الاضطرار {وعنده} أي: وحده {علم الساعة} أي: العلم بالساعة التي تقوم القيامة فيها {وإليه} أي: وحده لا إلى غيره {ترجعون} بأيسر أمر تحقيقاً لملكه وقطعاً للنزاع في وحدانيته، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء التحتية على الغيبة، والباقون بالفوقية على الالتفات للتهديد.
{ولا يملك} أي: بوجه من الوجوه في وقت ما {الذين يدعون} أي: يعبدون أي: الكفار {من دونه} أي: الله تعالى {الشفاعة} كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله وقوله تعالى {إلا من شهد بالحق} أي: قال: لا إله إلا الله، فيه قولان؛ أحدهما: أنه متصل إن أريد بالموصول كل ما عبد من دون الله والمعنى: لا يقدر هؤلاء أن يشفعوا لأحد إلا من شهد بالحق {وهم يعلمون} أي: بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم وهم عيسى ومريم وعزير والملائكة فإنهم يملكون أن يشفعوا للمؤمنين بتمليك الله تعالى إياهم لها، والثاني: هو منقطع إن خص بالأصنام.
{ولئن سألتهم} أي: الكفار مع ادعائهم الشريك {من خلقهم} أي: العابدين والمعبودين معاً {ليقولون الله} أي: الذي له جميع صفات الكمال لتعذر المكابرة من فرط ظهوره {فأنى} أي: فكيف وأي جهة بعد أن أثبتوا له الخلق والأمر {يؤفكون} أي: يصرفون عن اتباع رسولنا الآمر لهم بتوحيدنا في العبادة كما أنا توحدنا في الخلق. وقرأ:
{وقيله} أي: قول محمد صلى الله عليه وسلم عاصم وحمزة بخفض اللام والهاء على معنى وعنده علم الساعة وعلم قبله، والباقون بنصب اللام ورفع الهاء على المصدر بفعله المقدر أي: وقال {يا رب إن هؤلاء قوم} أي: أقوياء على الباطل ولم يضفهم إلى نفسه بأن يقول قومي ونحو ذلك من العبارات ولا سماهم باسم قبيلتهم لما شأنه من حالهم {لا يؤمنون} أي: لا يتجدد منهم هذا الفعل أصلاً.
{فاصفح} أي: اعف عفو من أعرض {عنهم} صفحاً فلا تلتفت إليهم بغير التبليغ {وقل} أي: لهم {سلام} أي: شأني الآن متاركتكم بسلامتكم مني وسلامتي منكم، قال ابن عباس: وهذا منسوخ بآية السيف، وقال الرازي: وعندي التزام النسخ في مثل هذه المواضع مشكل لأن الأمر لا يقيد بالفعل إلا مرة واحدة فسقطت دلالة اللفظ فأي حاجة إلى التزام النسخ، وأيضاً فاللفظ المطلق قد يتقيد بحسب العرف فإذا كان كذلك فلا حاجة إلى التزام النسخ

الصفحة 577