كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 3)

المسماة بليلة القدر لئلا يلزم التناقض، ثانيها: قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} (البقرة: 185)
فقوله تعالى ههنا {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} يجب أن تكون هذه الليلة المباركة في رمضان فثبت أنها ليلة القدر، ثالثها: قوله تعالى في صفة ليلة القدر: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر} (القدر: 4)

وقال تعالى ههنا.
{فيها يفرق كل أمر حكيم} وقال ههنا {رحمة من ربك} وقال تعالى في ليلة القدر {سلام هي} (القدر: 5)
وإذا تقاربت الأوصاف وجب القول بأن إحدى الليلتين هي الأخرى، رابعها: نقل محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن قتادة أنه قال: نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، والتوراة لست ليال منه، والزبور لثنتي عشرة ليلة مضت منه، والقرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان، والليلة المباركة هي: ليلة القدر، خامسها: أن ليلة القدر إنما سميت بهذا الاسم لأن قدرها وشرفها عند الله عظيم، ومعلوم أن قدرها وشرفها ليس بسبب نفس الزمان لأن الزمان شيء واحد في الذات والصفات فيمتنع كون بعضه أشرف من بعض لذاته فثبت أن شرفه وقدره بسبب أنه حصل فيه أمور شريفة لها قدر عظيم، ومن المعلوم أن منصب الدين أعظم من مناصب الدنيا، وأعظم الأشياء وأشرفها شعباً في الدين هو القرآن لأنه ثبت به نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبه ظهر الفرق بين الحق والباطل كما قال تعالى في صفته: {ومهيمناً عليه} (المائدة: 48)
وبه ظهرت درجات أرباب السعادات ودركات أرباب الشقاوات فعلى هذا لا شيء إلا والقرآن أعظم قدراً وأعلى ذكراً وأعظم منصباً، وحيث أطبقوا على أن ليلة القدر هي التي وقعت في رمضان علمنا أن القرآن إنما أنزل في تلك الليلة وهذه أدلة ظاهرة واضحة، واحتج الآخرون على أنها ليلة النصف من شعبان بوجوه؛ أولها: أن لها أربعة أسماء الليلة المباركة وليلة البراءة وليلة الصك وليلة الرحمة، وقيل: بينها وبين ليلة القدر أربعون ليلة.

وقيل في تسميتها: ليلة البراءة والصك أن البندار إذا استوفى الخراج من أهله كتب لهم البراءة وكذلك الله تعالى يكتب لعباده المؤمنين البراءة في هذه الليلة، ثانيها: أنها مختصة بخمس خصال الأولى: قال تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} والثانية: فضيلة العبادة فيها، روى الزمخشري أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى في هذه الليلة مائة ركعة أرسل الله تعالى إليه مائة ملك: ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنونه من عذاب النار، وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا، وعشرة يدفعون عنه مكايد الشيطان» . ثالثها: نزول الرحمة قال صلى الله عليه وسلم «إن الله يرحم أمتي في هذه الليلة بعدد شعر أغنام بني كلب» . رابعها: حصول المغفرة فيها قال صلى الله عليه وسلم «إن الله يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلا الكاهن والساحر ومدمن الخمر وعاق والديه والمصر على الزنا» . خامسها: أنه تعالى أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة تمام الشفاعة في أمته، قال الزمخشري: وذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان في أمته فأعطي الثلث منها ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطي الثلثين ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطي الجميع إلا من شرد عن الله شرود البعير.

وروي أن عطية الحروري سأل ابن عباس عن قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} (القدر: 1)
كيف يصح ذلك مع أن الله تعالى أنزل القرآن في جميع الشهور فقال ابن عباس: يا ابن الأسود لو هلكت أنا ووقع في نفسك هذا ولم

الصفحة 579