كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 3)

والسلوى وغير ذلك مما رأوه من الآيات التسع {مبين} أي: بين في نفسه موضح لغيره.
{إن هؤلاء} إشارة إلى كفار قريش لأن الكلام فيهم وقصة فرعون وقومه مسوقة للدلالة على أنهم مثلهم في الإصرار على الضلالة والإنذار على مثل ما حل بهم {ليقولون} أي: بعد قيام الحجة البالغة عليهم مبالغين في الإنكار.
{أن} أي: ما {هي} وقولهم {إلا موتتنا} على حذف مضاف أي: ما الحياة إلا حياة موتتنا {الأولى} التي كانت قبل نفخ الروح كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الجاثية {إن هي إلا حياتنا الدنيا} (الأنعام: 29)
وقال الجلال المحلي: إن هي ما الموتة التي بعدها الحياة إلا موتتنا الأولى أي: وهم نطف، وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة وأبو عمرو بين بين، وورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح {وما نحن بمنشرين} أي: بمبعوثين بحيث نصير ذوي حركة اختيارية ننتشر بها بعد الموت، يقال: نشره وأنشره أحياه ثم احتجوا على نفي الحشر والنشر بقولهم:
{فأتوا} أي: أيها الزاعمون أنا نبعث بعد الموت {بآبائنا} أي: لكوننا نعرفهم ونعرف وفور عقولهم {إن كنتم صادقين} أي: ثابتاً صدقكم في أنا نبعث يوم القيامة أحياء بعد الموت ثم خوفهم الله تعالى بمثل عذاب الأمم الخالية فقال تعالى:
{أهم خير} أي: في الدين والدنيا {أم قوم تُبّع} أي: ليسوا خيراً منهم فهو استفهام على سبيل الإنكار، قال أبو عبيدة: ملوك اليمن كل واحد منهم يسمى تبعاً لأن أهل الدنيا كانوا يتبعونه، وموضع تبع في الجاهلية موضع الخليفة في الإسلام وهم الأعاظم في ملوك الحرب، وقال قتادة: هو تبع الحميري وكان من ملوك اليمن سمي بذلك: لكثرة أتباعه وكان هذا يعبد النار فأسلم ودعا قومه وهم حمير إلى الإسلام فكذبوه، ولذلك ذم الله تعالى قومه ولم يذمه، وعن النبي صلى الله عليه وسلم «لا تسبوا تبعاً فإنه قد أسلم» . وعنه صلى الله عليه وسلم «ما أدري أكان تبع نبياً أو غير نبي» . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «لا تسبوا تبعاً فإنه كان رجلاً صالحاً» . وذكر عكرمة عن ابن عباس: أنه كان تبع الآخر وهو أبو كرب أسعد بن مليك وكان سار بالجيوش نحو المشرق وحبر الحبر وبنى قصر سمرقند، وملك بقومه الأرض طولها والعرض وكان أقرب المملكين إلى قريش زماناً ومكاناً، وكان له بمكة المشرفة ما ليس لغيره من الآثار، قال الرازي في اللوامع: هو أول من كسا البيت ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة وأقام به ستة أيام وطاف به وحلق.

قال البغوي بعد أن ذكر قصته مع الأنصار: لما قتل ابنه غيلة في المدينة الشريفة وما وعظ به اليهود في الكف عن خراب المدينة لأنها مهاجر نبي من قريش إنه صدقهم واتبع دينهم وذلك قبل نسخه. وعن الرياشي آمن تبع بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة عام، فإن قيل: ما معنى قوله تعالى: {أهم خير أم قوم تبع} مع أنه لا خير في الفريقين؟ أجيب: بأن معناه أهم خير في القوة والشوكة كقوله تعالى: {أكفاركم خير من أولئكم} (القمر: 43)
بعد ذكر آل فرعون ويجوز في قوله تعالى: {والذين من قبلهم} أي: مشاهير الأمم كمدين وأصحاب الأيكة والرس وثمود وعاد، ثلاثةُ أوجه؛ أحدها: أن يكون معطوفاً على قوم تبع، ثانيها: أن يكون مبتدأ وخبره {أهلكناهم} أي: بعظمتنا وإن كانوا أصحاب مكنة وقوة، وأما على الأول {فأهلكناهم} إما مستأنف، وإما حال من الضمير المستكن في الصلة، ثالثها: أن يكون منصوباً بفعل مقدر يفسره أهلكناهم ولا محل لأهلكناهم حينئذ {إنهم

الصفحة 587