كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 3)

الظلمة حتى من لاق لهم دواة أو برى لهم قلماً فيجمعون في تابوت من حديد فيرمي بهم في جهنم» وقول ابن عباس يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى عليه السلام كان كافراً وهو قول مقاتل: وقال قتادة: أني لا أعين بعدها على خطيئة، وقيل: بما أنعمت عليّ من القوة فلن أستعملها إلا في مظاهرة أوليائك وأهل طاعتك والإيمان بك، قال ابن عباس: لم يستئن أي: لم يقل فلن أكون إن شاء الله تعالى فابتلي به في اليوم الثاني كما قال تعالى:
{فأصبح في المدينة} أي: التي قتل القتيل فيها {خائفاً} أي: بسبب قتله له {يترقب} أي: ينتظر ما يناله من جهة القتيل، قال البغويّ: والترقب انتظار المكروه، وقال الكلبيّ: ينتظر متى يؤخذ به {فإذا} أي: ففجأه {الذي استنصره} أي: طلب نصرته من شيعته {بالأمس} أي: اليوم الذي يلي يوم الاستصراخ {يستصرخه} أي: يطلب أن يزيل ما يصرخ بسببه من الضر من قبطيّ آخر كان يظلمه، فكأنه قيل: فما قال له موسى بعدما أوقعه فيما يكره فقيل {قال له} أي: لهذا المستصرخ {موسى إنك لغويّ} أي: صاحب ضلال بالغ {مبين} أي: واضح الضلال غير خفيه لكون ما وقع بالأمس لم يكفك عن الخصومة لمن لا تطيقه وإن كنت مظلوماً ثم دنا منهما لينصره.
{فلما أن أراد} أي: شاء فإن مزيدة {أن يبطش} أي: موسى عليه السلام {بالذي هو عدوّ لهما} أي: لموسى والإسرائيلي لأنه لم يكن على دينهما ولأنّ القبط كانوا أعداء بني إسرائيل بأن يأخذه بعنف وسطوة لخلاص الإسرائيلي منه {قال} أي: الإسرائيلي الغويّ لأجل ما رأى من غضبه وتكليمه له ظاناً أنه يريد البطش به {يا موسى} ناصاً عليه باسمه {أتريد أن تقتلني} أي: اليوم وأنا من شيعتك {كما قتلت نفساً بالأمس} أي: من شيعة أعدائنا والذي يدل على أن الإسرائيلي هو الذي قال له هذا الكلام السياق، وعليه الأكثرون، لأنه لم يعلم بقتل القبطي غير الإسرائيلي، وقيل: إنما قال موسى للفرعوني {إنك لغويّ مبين} بظلمك ويناسبه قوله {إن} أي: ما {تريد إلا أن تكون جباراً} أي: قاهراً عالياً فلا يليق ذلك إلا بقول الكافر، أو أن الإسرائيلي لما ظن قتله فإن ذلك، وقد قيل في الإسرائيلي أنه كان كافراً، قال أبو حيان وشأن الجبار أن يقتل بغير حق {في الأرض} أي: التي تكون بها فلا يكون فوقك أحد {وما تريد} أي: تتخذ ذلك إرادة {أن تكون} أي: كوناً هو لك كالجبلة {من المصلحين} أي: الغريقين في الصلاح فإنّ الصلح بين الناس لا يصل إلى القتل على هذه الصورة فلما سمع القبطيّ هذا ترك الإسرائيلي وكان القبط لما قتل ذلك القبطي ظنوا في بني إسرائيل فأغروا فرعون بهم وقالوا إنّ بني إسرائيل قتلوا منا رجلاً فخذ لنا بحقنا فقال ابغوا لي قاتله ومن يشهد عليه فإن الملك وإن كان صفوة مع قومه لا يستقيم له أن يقضي بغير بينة ولا تثبت فلما قال هذا الغوي هذه المقالة علم القبطي أن موسى عليه السلام هو الذي قتل الفرعوني فانطلق إلى فرعون فأخبره بذلك فأمر فرعون بقتل موسى.
قال ابن عباس: فلما أرسل فرعون الذباحين لقتل موسى أخذوا الطريق الأعظم.
{وجاء رجل} أي: ممن يحب موسى عليه السلام واختلف في اسمه فقيل حزقيل مؤمن آل فرعون، وقيل شمعون وقيل شمعان، وكان ابن عمّ فرعون {من أقصى المدينة} أي: أبعدها مكاناً {يسعى} أي: يسرع

الصفحة 89