كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 3)
لا سيما من الرؤساء أتم الرغبة {أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين} أي: الحاضرتين اللتين سقيت لهما ليتأمّلهما فينظر من يقع اختياره عليه منهما ليعقد له عليها، قال أكثر المفسرين إنه زوجه الصغرى منهما وهي التي ذهبت لطلب موسى واسمها صفورا على خلاف تقدّم في اسمها، وقوله {هاتين} فيه دليل على أنه كان له غيرهما وقوله {على أن تأجرني ثماني حجج} إما من أجرته إذا كنت له أجيراً كقولك أبوته إذا كنت له أباً، وثماني حجج ظرفه، أي: ترعى غنمي ثماني حجج، وإما من أجرته كذا إذا أثبته إياه قاله الفراء أي: تجعل ثوابي من تزويجها أي: تجعل أجري على ذلك وثوابي ثماني حجج، تقول العرب أجرك الله يأجرك أي: أثابك، ومنه تعزية رسول الله صلى الله عليه وسلم «أجركم الله ورحمكم» وثماني حجج مفعول به، ومعناه رعية ثماني حجج، فإن قيل: كيف صح أن ينكحه إحدى ابنتيه من غير تمييز؟ أجيب: بأن ذلك لم يكن عقداً ولكن مواعدة ومواصفة أمر قد عزم عليه، ولو كان عقداً لقال أنكحتك ولم يقل: إني أريد أن أنكحك، وقد مرّت الإشارة إلى ذلك، والحجج، السنون وإحدها حجة {فإن أتممت عشراً} أي: عشر سنين وقوله {فمن عندك} يجوز أن يكون في محل رفع خبر المبتدأ محذوف تقديره فهي من عندك، أو نصب أي: فقد زدتها من عندك أو تفضلت بها من عندك، وليس ذلك بواجب عليك.
تنبيه: هذا اللفظ يدل على أن العقد وقع على أقلّ الأجلين والزيادة كالتبرّع فالعقد وقع على معين، ودلت الآية على أن العمل قد يكون مهراً كالمال وعلى أن عقد النكاح لا يفسد بالشروط التي لا يوجبها العقد إن كان وقع شرط هذه الزيادة في العقد، ولما ذكر له ذلك أراد أن يعلمه أن الأمر بعد الشرط بينهما على المسامحة فقال {وما أريد أن أشق عليك} أي: أدخل عليك مشقة بمناقشة ومراعاة أوقات ولا في إتمام عشر ولا غير ذلك، ثم أكد معنى المساهلة بقوله {ستجدني} وفتح الياء نافع عند الوصل، والباقون بسكونها، ثم استثنى على قاعدة: أنبياء الله وأوليائه في المراقبة على سبيل التبرك بقوله {إن شاء الله} أي: الذي له جميع الأمر {من الصالحين} قال عمر: أي: في حسن الصحبة والوفاء بما قلت، أي: وكل ما تريد من كل خير، وقيل: أراد الصلاح على العموم، فإن قيل: كيف ينعقد العقد بهذا الشرط ولو قلت أنت طالق إن شاء الله لم تطلق؟ أجيب: بأن هذا إنما يختلف بالشرائع أو أن ذلك ذكر للتبرك.
{قال} أي: موسى عليه السلام {ذلك} أي: الذي ذكرته وعاهدتني فيه وشارطتني عليه {بيني وبينك} أي: قائم بيننا جميعاً لا يخرج كلانا عنه لا أنا عما شرطت علي ولا أنت عما شرطت على نفسك.
تنبيه: ذلك مبتدأ، والظرف خبره، وأضيفت بين لمفرد لتكرّرها، وعطفت بالواو، ولو قلت: المال لزيد فعمرو لم يجز، والأصل ذلك بيننا كما مرّ ففرق بالعطف، ثم فسر ذلك بقوله {أيما} أي: أيّ {الأجلين} فما: زائدة {قضيت} أي: فرغت أطولهما الذي هو العشر أو أقصرهما الذي هو الثمان {فلا عدوان} أي: اعتداء بسبب ذلك لك ولا لأحد {عليّ} في طلب أكثر منه لأنه كما لا تجب الزيادة على العشر لا تجب الزيادة على الثمان.
فإن قيل: تصوّر العدوان إنما هو في أحد الأجلين الذي هو أقصر وهو المطالبة بتتمة العشر فما معنى تعليق العدوان بهما جميعاً؟ أجيب: بأنّ معناه كما أني إن طولبت بالزيادة على العشر
الصفحة 94
604