كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 3)

منهما، بيغن وشامير) لو أن تلك الأوصاف كانت لهم ولو أنهم قاسوا ما يقوله رُواة حادث كربلاء لأخذتك الشفقة بهم والرثاء لهم. فكيف وهم يصفون بتلك الأوصاف ابن بنت رسول الله ‘، الحسين بن فاطمة الزهراء، وأهل بيته الأكرمين؟
من هنا كان ما نراه ونسمع به كلما جاء يوم عاشوراء، ولولاه لما كان. فلقد مات علي، وهو أفضل من ولده، ومات قبلهما رسول الله ‘، وهو أفضل منهما، فما صنع المسلمون ما يصنع هؤلاء يوم عاشوراء.
* * *
جلنا في الحلة التي عرفنا اسمها في الصغر من حين حفظنا القصيدة العظيمة لصفي الدين: سلي الرماح العوالي عن معالينا.
ومشينا في طرقها ومسالكها حتى وصلنا رحبة واسعة في صدرها بابٌ مفتوح سمعنا منه شعراً يُنشَد بلحن حزين، فاقتربنا فرأينا ناساً قد التفّوا حول هذا المُنشِد وحفّوا به دوائر وسط دوائر، وصدورهم مكشوفة قد ستروا ما تحت السرة وأظهروا ما كان فوقها.
فقال أنور بعد أن سمع الشعر: ندخل؟ فسألت مَن معنا من الطلاب لأنهم أعرف ببلادهم فقالوا: لا تدخلوا. فملت إلى رأيهم، ولكن أنور رحمة الله على روحه عمل مثل جهيزة التي «قطعت قول كل خطيب»، فدخل، ولم نستطع إلا أن نتبعه.
دخلنا فاخترقنا الصفوف، وكان مَن فيها قاعدين ساكتين،

الصفحة 383