كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 3)

فمنعنا، ثم أذن لنا على أن تكون المناظرة بإشرافه، نأتي نحن بخمسين رجلاً وهم بخمسين، وتؤلَّف هيئة للتحكيم نحن ننتخب عضواً منها وهم عضواً، والثالث يختاره المتصرف.
وجاء يومُ المناظرة، ودخلت وأنا واثق من نفسي، أو مغترّ بها معتمد عليها. وبدؤوا هم الكلام، وكان ينبغي أن نختار بالقرعة البادئ منا. وجعلوا يسألونني، والمسؤول في المناظرة كمن يتلقى الهجمات في المعركة، والسائل هو المهاجم. وهو متمرسون بالمناظرات متمرّنون عليها مُمسكون بأطراف الخلاف.
لما رأيت ذلك وعلمت أني سأنهزم صَغُرت عليّ نفسي وتبخر منها غرورها وعادت إلى حجمها، فتوجهتُ بقلبي إلى الله منكسراً متوقعاً الهزيمة، وقلت: يا رب، أنا هنا أدافع عن سنة نبيك وعن مذهب أهل الحق، فلا تؤاخذني بما كان مني وانصرني، فإنك تنصر الحق الذي أذبّ عنه.
ومَن توجه إلى الله بالانكسار رزقه الله عزة الانتصار، ومَن اعتمد على نفسه وَكَله الله إليها. وكنت أدعو مضطراً واثقاً من الإجابة، فما هي إلا لحظات حتى انفسح لي طريق إلى أخذ المبادرة لي بالكلام. وكان الكلام على بيعة أبي بكر، فقلت لهم: كيف بايع علي أبا بكر وأنتم -شيعة علي- تنكرون خلافته؟ هل بايع مختاراً أو مكرَهاً؟
إن قلتم إنه مكرَه سلبتموه أحد شرطَي الخلافة وهو القوة، إذ لا يصلح لها إلا المؤمن القوي. ثم إنكم خالفتم بذلك الواقع لأن علياً رضي الله عنه كان أعزّ من أن يُكرهه أحد على ما لا يريد، بدليل

الصفحة 387