كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 3)

قلت: نعم، إنك من أهل البلد وأنا غريب من أهل الشام. ونحن نأخذ من مال العراق، ولكن نأخذه بعملنا لا نأخذه صدقة. ثم إن أصحاب البلد أنابوا عنهم ممثّلاً لهم هو وزير المعارف، فهو الذي أمضى العقد معي وهو الذي يسألني، لا يسألني كلّ من سكن العراق، ولست مضطراً أن أُجيب كلّ مَن مشى في طرق العراق. والآن تفضل اخرج!
وكنّا أحياناً نسمع هذه المقالة أو تبلغنا: هي أننا جئنا نأخذ مال العراق، وسنعود نسبّ العراق ونحقره أو ننساه فلا نذكره. فهل رأيتموني شتمت العراق أو نسيته؟
ها أنَذا بعد نحو خمسين سنة أتعلّل بذكرى العراق وأثني على العراق، ما شتمتُه ولا نسيتُه ولا نسيه مِن إخواننا وأصحابنا الذين كانوا معنا أحد، لا أنور ولا مظهر ولا زكي مبارك رحمهم الله، ولا عبد المنعم خلاّف مدّ الله في عمره. أسأل من عرفه من قرّاء هذه المقالة أن يخبرني: كيف حاله؟ وأن يُبلِغه تحيّاتي وأن يحمل إليه حُبّي، فلقد كان رفيقي في مصر في دار العلوم سنة 1928، وفي المؤتمر الإسلامي في القدس سنة 1954، وفي القاهرة وفي دمشق، كما كان من إخواننا من مصر في تلك الأيام الأستاذ محمود شاكر والأستاذ عبد السلام هارون.
* * *
كنت أُدرّس الأدب لا على أنه واجب مدرسي بل على أنه إمتاعٌ نفسيّ. كنت أُشعِر الطلاب لذّته وجماله، وإن لم أُقصّر في إكمال المنهج وإعداد أسباب النجاح في الامتحان.

الصفحة 391