كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 3)

البيان (البيانو)، فكانت مقطوعة الحزن المعروفة.
فالشعر والصورة والنغمة كلها تعبير واحد عن الشعور الواحد، ولكن اختلف اللسان؛ فالشاعر يعبّر بالألفاظ والأوزان، والمصوِّر بالخطوط والألوان، والموسيقي بالأصوات والألحان.
وعلّمتُهم أنك حين تكتب أو تَنْظم تأتي بشيء جميل، فأنت قد أوجدت وأبدعتَ، فيأتي آخر فيقوّم ما جئت به ويزنه بميزانه، ويحدّد سعره في سوق الأدب. فأنت حين تكتب أو تَنْظم «أديب»، وهذا الذي يقوّم ويَزِن ««ناقد»، فالأدب إبداع والنقد وزن وتقويم.
وأنّ للنقد مقياساً، والمقياس إما أن يكون مقياساً ثابتاً معترَفاً به متّفَقاً عليه، كقواعد النحو وأُسس اللغة، فيكون النقد في هذه الحال علماً أو أدنى إلى العلم. وإن كان مقياساً شخصياً عُمدَتُه إدراك الجمال كان النقد فناً أو أقرب إلى الفنّ.
فإن قلت لك: إن هذه المقطوعة التي نظمتَها أو هذه المقالة التي كتبتها فيها خطأ في اللغة أو في علومها، واستندت في ذلك إلى دليل، لم يكن لك ولا لغيرك أن يردّ قولي إلاّ إن اعتمدتَ دليلاً أقوى من دليلي. أمّا إن قلت لك: إن هذه المقطوعة جميلة أو ينقصها الجمال، كان لك أو لغيرك أن يقول: لا. لأن الجمال لا يوزن بالرطل ولا يُقاس بالذراع.
* * *
كان علينا أن ندرس شعراء العصر العباسي، هؤلاء الذين سمّاهم الأولون «شعراء الشام» أو «شعراء المدرسة الشامية»:

الصفحة 393