كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 3)

يعلو وينخفض. والنابغة يسير بسرعة واحدة غالباً، لا يسبق سبقاً بائناً ولا يتخلّف تخلّفاً شائناً.
ولقد طال الخلاف على أبي تمام والبحتري أيهما المقدّم، فكان الحكم العادل ما قاله البحتري نفسه، قال: جيّده خير من جيّدي، ورديئي خير من رديئه. أي أن البحتري لا يسمو سموّ أبيتمام ولا يسقط سقوطه.
وهاكم المتنبّي عبقري الشعراء، أكبر الشعراء اسماً وأظهرهم في عصره والعصور التي بعده أثراً، أروع أمثلة البلاغة والبراعة في القول من شعر المتنبّي، وأرذل أمثلة التداخل والمُعاظَلة (¬1) والفساد من شعر المتنبّي. له المطالع العظيمة وله هذا المطلع الشنيع:
أُحادٌ أم سُداسٌ في أُحادِ ... لُيَيْلَتُنا المَنوطةُ بالتّنادي
أعِد كلمة «لُيَيْلَتُنا» عشر مرّات بسرعة، فإن لم تخطئ فيها فلك مني مكافأة!
* * *
كنت إذا درّست قصيدة بشار في الجيش قرنتها بقصيدة المتنبّي، مثلاً:
أتَوكَ يَجُرُّون الحديدَ كأنّما ... سَرَوا بجيادٍ ما لهنّ قوائمُ
¬__________
(¬1) يقال: عاظَل الشاعرُ في شعره إذا جعل بعض أبياته مفتقراً في بيان معناه إلى بعض (مجاهد).

الصفحة 406