كتاب دولة الإسلام في الأندلس (اسم الجزء: 3)

نشأته، حتى فوزه بإنشاء الدولة المرابطية في المغرب، وما تلا ذلك من عبوره إلى شبه الجزيرة غير مرة، وفوزه بملك الأندلس، ثم وفاته في مستهل شهر المحرم سنة 500 هـ (2 سبتمبر سنة 1106 م) بعد حياة حافلة بعظائم الحوادث، وجلائل الأعمال.
ولسنا نجد بعد أن استعرضنا ذلك كله، بتفاصيله الشاملة في كتابنا " دول الطوائف "، مجالا لتكرار الكلام في هذه الموضوعات. بيد أنه لا يسعنا، ونحن نزمع الكلام هنا عن عصر المرابطين في المغرب والأندلس، إلا أن نرتد بأبصارنا إلى بعض ما تقدم من المواطن، وأن نستزيدها فيما أوجزنا فيه منها، حتى ينتظم السياق، وتكمل وحدة الموضوع.
وأول ما يعرض لنا في ذلك، هو العود إلى بعض مواطن، في حياة البطل المغربي العظيم، يوسف بن تاشفين زعيم المرابطين، ونبدأ في ذلك بصفته وألقابه الملوكية، وهو ما تناولناه فيما تقدم بطريقة عابرة.
كانت رياسة المرابطين الزمنية، حينما أنشأ الفقيه عبد الله بن يايسن الجزولي، طائفة المرابطين في أول أمرها، لزميله وصديقه يحيى بن إبراهيم الكدالي، ولما توفي هذا الرئيس ندب عبد الله بن ياسين مكانه للرياسة الأمير يحيى بن عمر بن تلاكاكين اللمتوني ليتولى شئون الحرب والجهاد. وكانت هذه أول مرحلة في رياسة لمتونة الزمنية لطائفة المرابطين. ولما توفي الأمير يحيى في سنة 447 هـ، عين مكانه للقيادة أخوه أبو بكر بن عمر. ولما وضع المرابطون خططهم لافتتاح بلاد السوس في سنة 448 هـ، ندب الأمير أبو بكر ابن عمه يوسف بن تاشفين ليكون قائداً لمقدمة الجيش المرابطي. وهذه هي أول مناسبة تاريخية، يذكر فيها اسم البطل المرابطي، ولم يكن له يومئذ من الرياسة، سوى صفة القيادة لجناح من أجنحة الجيش المرابطي. وهنا ظهرت براعته العسكرية، فيما اضطلع به المرابطون يومئذ من الفتوحات المتوالية في أنحاء المغرب، وهي التي فصلنا أطوارها فيما تقدم. ولما توفي عبد الله بن ياسين قتيلا في بعض المعارك التي نشبت في أراضي برغواطة في سنة 451 هـ (1059 م)، استأثر الأمير أبو بكر اللمتوني بزعامة المرابطين الروحية والزمنية معاً، وتحققت بذلك رياسة لمتونة، وبدأت الدولة المرابطية اللمتونية، وقوام سلطانها، ما تم يومئذ من فتوح المغرب.

الصفحة 37