كتاب دولة الإسلام في الأندلس (اسم الجزء: 3)
ولما وقع الخلاف بين لمتونة ومسّوفة وغيرها من القبائل المرابطية، في بلاد القبلة قاعدتهم بالصحراء، واعتزم أبو بكر أن يسير بنفسه لتلافي الأمر، عهد بشئون المغرب إلى ابن عمه يوسف بن تاشفين (453 هـ)، وقسمت الجيوش المرابطية عندئذ إلى قسمين، تولى يوسف إمرة أحدهما ليتم به إخضاع المغرب، وسار أبو بكر إلى الصحراء في القسم الآخر. وقد أشرنا من قبل إلى خاتمة أبى بكر، وكيف أنه حينما عاد بعد إتمام مهمته في الصحراء إلى المغرب ولقي يوسف (سنة 465 هـ)، ورأى من عظمة سلطانه وقوته، ما أدرك معه أن كل أمل قد غاض في استرداد إمارته على المغرب، قد ارتد ثانية إلى الصحراء، وهنالك اخترق مشارف الصحراء الكبرى، ودخل منطقة النيجر الوسطى، ولبث حيناً يقوم بغزوات متوالية في قلب مملكة السودان، وعاصمتها يومئذ مدينة غانة، وفي مملكة مالي، وهو يعمل على نشر الإسلام بين تلك القبائل السود، التي كانت يومئذ تدين بالنصرانية، والتي تضع الرواية تاريخ إسلامها في سنة 469 هـ (1076 م) (¬1). واستمر يتابع الجهاد والغزو حتى توفي قتيلا في بعض المعارك في سنة 480 هـ (1087 م). أما يوسف فقد عني من جانبه بإتمام فتوح المغرب واستطاع أن يخضع معظم نواحيه، وأنشأ مدينة مرّاكُش (462 هـ - 1069 م) لتكون قاعدة لملكه، وعاصمة للأقطار المغربية المترامية التي تم له افتتاحها (¬2).
وهنا يتشح يوسف بن تاشفين بثوب الملك السياسي والإمارة الفعلية. وقد كان مذ ندب لقيادة الجيش المرابطي، وتوالت على يديه فتوح المغرب، يتشح بثوب الرياسة والإمارة القَبَلي. وهنا تختلف الرواية في أصل ألقابه الملوكية، وأوضاعها. والتاريخ يعرف يوسف بن تاشفين " بأمير المسلمين، وناصرالدين ".
فمتى كان اتخاذه لهذا اللقب؟ وفي أي ظروف وقع ذلك؟
¬_______
(¬1) الحلل الموشية (طبع تونس) ص 7.
(¬2) هذا هو التاريخ الذي يضعه ابن عذارى لإنشاء مراكش في البيان المغرب (من أوراق مخطوطة وجدت بمكتبة جامع القرويين بفاس، ونشرت أخيراً بعناية الأستاذ هويثي ميرانده في مجلة Hespéris عدد سنة 1961 ص 55). ويتابعه صاحب الحلل الموشية فيضع تأسيسها في نفس التاريخ (الحلل الموشية ص 6). ويضع الشريف الإدريسي تاريخ إنشاء مراكش في سنة 470 هـ (راجع المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس المنشور بعناية دوزي ص 67). ويضع صاحب كتاب " الاستبصار " تاريخ إنشائها في سنة 459 هـ (ص 208). ويضع صاحب روض القرطاس تاريخ إنشائها في سنة 454 هـ، (طبعة تورنبرج ص 89)، ويتابعه في ذلك ابن خلدون (كتاب العبر ج 6 ص 184).
الصفحة 38
566