كتاب دولة الإسلام في الأندلس (اسم الجزء: 4)

الغافقي، وصاحب المخزن محمد بن المعلم. وجلس السيد أبو حفص وأخوه السيد أبو سعيد في قصر الجبل لاستقبال الوفود، فتعاقبت في السلام، وإلقاء الخطب، وأنشد الشعراء قصائدهم، على نحو ما حدث أيام مقدم الخليفة عبد المؤمن، ودامت إقامة الأميرين بالجبل خمسة عشر يوماً، أغدقت فيها " الأعطيات والبركات والكسى". وصفا الجو، وارتفع الإرجاف، ثم انصرفت الوفود، وعبر السيدان أبو حفص وأبو سعيد كل في صحبه، البحر إلى سبتة، وأقاما بها ثلاثة أيام ريثما عبرت بقية الركب من الجبل ومن الجزيرة الخضراء، ثم سار السيدان إلى مراكش، فتلقاهما أخوهما الخليفة أبو يعقوب يوسف خارج الحضرة، وكان اجتماعاً بهجاً، ساده البشر والحبور، وكان وصول السيد أبي حفص وأخيه السيد أبي سعيد إلى مراكش في أول شهر رجب سنة 560 هـ، فاستقبل الجميع بالحضرة أروع استقبال، وأنشد الشعراء تهانيهم ومدائحهم. وهكذا تم التفاهم والتعاطف بين الخليفة وأخيه، وأسبل الستار بذلك على ما كان يحيط بموقف السيد أبي سعيد من التوجس والإرجاف (¬1).
هذا وقد اعتمدنا فيما تقدم ذكره عن تولية الخليفة أبي يعقوب يوسف وبيعته، وما حدث من تخلف بعض إخوته عن بيعته، على ما ذكره مؤرخا الموحدين المعاصران، البيذق وابن صاحب الصلاة، باعتباره أوثق ما يمكن الاعتماد عليه في هذا الشان (¬2). بيد أنه توجد إلى جانب ذلك رواية أخرى مفادها أن البيعة التي عقدت لأبي يعقوب عقب وفاة أبيه الخليفة عبد المؤمن، لم تكن بيعة تامة، إذ تخلف عنها بعض أشياخ الموحدين، وبعض إخوته، وأنه لذلك اكتفى باتخاذ لقب الأمير حتى تكمل بيعته، وصرف الجيوش التي كانت مجتمعة للجهاد، وعاد إلى مراكش، فأقام بها، وكتب إلى جميع عمالاته بالمغرب وإفريقية والأندلس في طلب البيعة، فوردت إليه من سائر النواحي، ما عدا قرطبة التي كانت لنظر
¬_______
(¬1) لخصنا ما تقدم عن رواية ابن صاحب الصلاة في كتاب " المن بالإمامة على المستضعفين (مخطوط أكسفورد السالف ذكره) لوحات 48 إلى 57، وأضربنا عن نقل ما أورده ابن صاحب الصلاة من مختلف قصائد المدح والتهنئة. وراجع في ذلك أيضاً " البيان المغرب " القسم الثالث، وهو يلخص كذلك عن ابن صاحب الصلاة (ص 59 - 62).
(¬2) الأول في كتاب أخبار المهدي ابن تومرت ص 84، والثاني في كتاب " المن بالإمامة " لوحة 45.

الصفحة 13