ولاسيما منذ انقلب عليه صهره وحليفه القوي إبراهيم بن همشك وانحاز إلى الموحدين. ثم انتهى أمر ابن مردنيش وانهارت مملكة الشرق بوفاته (567 هـ) ودخل الموحدون مرسية، وبسطوا سلطانهم على شرقي الأندلس، وأضحوا على مقربة من الجزائر. وهنا رأى إسحاق ابن غانية، أن يتحول إلى مصانعة الموحدين ومهادنتهم، وأخذ يراسلهم، ويبعث إليهم بنفيس الهدايا من خاصة غنائمه وسبيه، وكان الموحدون في البداية، يستصغرون شأن الجزائر، ولا يحفلون بأمرها، فلما سيطروا على شواطىء الأندلس وثغورها الشرقية، ولما رأوا تقرب إسحاق منهم، أخذوا يهتمون بشأنها، ويدركون أهمية موقعها البحري، فتوالت كتبهم على إسحاق بطلب الدخول في طاعتهم، وبعث الخليفة أبو يعقوب يوسف إلى إسحاق كتابه بذلك في سنة 578 هـ (1182 م) وطلب إليه بصفة رسمية أن يعترف بطاعته وأن يدعو له في الخطبة. فعرض إسحاق هذا الأمر على أكابر أصحابه، فاختلف رأيهم بين الاستجابة والرفض، فرأى أن يرجىء رده على الخليفة. وخرج في أسطوله غازياً إلى بعض السواحل النصرانية القريبة، فقتل في بعض المعارك، وقيل أنه طعن في حلقه، وحمل حياً إلى ميورقة، وهنالك مات في قصره. وكانت وفاته سنة 579 هـ (1183 م) (¬1).
ولما توفي إسحاق بن محمد بن غانية، خلفه في حكم الجزائر أكبر أولاده العديدين محمد (¬2). وكان قد اختاره في حياته لولاية عهده. وكان محمد يواجه في بداية حكمه تلك المشكلة الدقيقة، التي أثارها الخليفة الموحدي بدعوته إلى خضوع الجزائر لسلطانه. وازدادت هذه المشكلة دقة بما عمد إليه الخليفة أبو يعقوب من إرسال سفيره إلى ميورقة في بعض السفن الموحدية، التي سارت به من سبتة، ليعرض الطاعة بنفسه على أميرها، وليختبر مدى استعداد بني غانية للاستجابة إلى الدخول في الدعوة الموحدية. وكان سفير الخليفة إلى محمد بن غانية، رجلا من طراز خاص، هو أبو الحسن على الربرتير، وهو ولد الفارس النصراني الربرتير El Reverter أو روبرتو القطلوني، قائد جند الروم أو النصارى المرتزقة في الجيش المرابطي أيام علي بن يوسف، وقد أبلى الربرتير وجنده الروم
¬_______
(¬1) المعجب ص 152، وكذلك A. Bel: Ibid ; p. 24 & 25.
(¬2) ابن خلدون ج 6 ص 190. ويقول المراكشي إن الذي خلف إسحاق هو أكبر أولاده على (ص 152).