كتاب دولة الإسلام في الأندلس (اسم الجزء: 4)

بموضع فيه يعرف " بفحص الجلاّب ". وهنالك أشرف ابن مردنيش بقواته قبالتهم، فنظم الموحدون قواتهم من أهل هرغة وتينملل وهنتانة وجدميوه وباقي القبائل الموحدية، كما نظم الجند العرب من بني هلال ورياح والجشميين والرعينيين وحرس الأمير الأسود. ويبدو من خطاب الفتح السالف الذكر أن جيش الموحدين كان يضم عندئذ زهاء اثنى عشر ألف مقاتل من حامية غرناطة، من ذلك نحو أربعة آلاف هي التي كانت تحت إمرة الشيخين أبي سعيد وأبي عبد الله، وثمانية آلاف هي جملة الحملة التي عبر بها السيد أبو حفص وأخوه. وأما جيش ابن مردنيش فلم تذكر لنا الرواية جملته، ولكنها تقدر من كان به من النصارى المرتزقة بثلاثة عشر ألف مقاتل (¬1).
وتعاهد الموحدون على الصدق والثبات والصبر، والاستشهاد في سبيل الله، وبدأ ابن مردنيش الهجوم فانقضت قواته أولاً على الجند العرب، ثم تحول إلى مهاجمة الموحدين، فهاجمهم مرتين متواليتين، ونشبت بين الفريقين معركة هائلة، قاتل فيها الموحدون والعرب أشد قتال وأروعه، واستمرت حتى مغيب الشمس، ورجحت كفة الموحدين في النهاية، ففتكوا بجيش مردنيش، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وسقط في الموقعة شيوخ العرب السبعة فيمن سقط من الموحدين، وارتد ابن مردنيش في فلول قواته إلى تل قريب إلى أن دخل الليل ففر مسرعاً إلى مرسية، وامتنع بداخلها. وفي صباح اليوم التالي الثامن من شهر ذي الحجة (16 أكتوبر)، سار الموحدون إلى مرسية، حتى اقتربوا منها، ونزلوا بساحتها، وأمضوا بها عيد الأضحى، وخرجت سرياتهم تدمر أحوازها وضياعها، ومنها بساتين ابن مردنيش اليانعة، مدى أيام، حتى امتلأت أيديهم بالغنائم والأقوات، ووصلت طلائعهم إلى أوريولة وألش. وبعث السيدان أبو حفص وأبو سعيد إلى أخيهما الخليفة أبي يعقوب بمراكش بكتاب الفتح والبشرى، من إنشاء الكاتب أبي الحسن بن عياش، فوصل إلى الحضرة في الثالث والعشرين من ذي الحجة، وقرىء على سائر الحاضرين من الأشياخ، والطلبة، ثم قرىء بعد ذلك بالمسجد الجامع على كافة الناس (¬2).
¬_______
(¬1) نشرنا في الفصل الثاني خريطة مملكة الشرق ومواقع غزوات الموحدين لها.
(¬2) أورد لنا ابن صاحب الصلاة تفاصيل الغزوة الموحدية لأندوجر، وسير الموحدين إلى مرسية، وموقعة فحص الجلاب في كتاب " المن بالإمامة " المخطوط السالف الذكر لوحة 58 أإلى لوحة 60 ب. كما أورد لنا نص الخطاب الذي أرسل بالفتح إلى مراكش (لوحة 60 ب إلى لوحة 63 أ) =

الصفحة 17