كتاب دولة الإسلام في الأندلس (اسم الجزء: 4)

مع أشياخ الموحدين، أن يتخذ العلامة الخلافية ونصها " والحمد لله وحده " وأن يكتبها بخط يده على المراسيم والأوامر، فتنفذ بمقتضاها. وصدرت أول رسالة ممهورة بالعلامة الخلافية في الثالث من شهر رمضان مدبجة بقلم الوزير الكاتب أبي الحسن بن عياش، وموجهة إلى أخي الخليفة السيد أبي سعيد وأصحابه الطلبة بقرطبة، على أن تنفذ منها نسخ إلى مختلف البلاد، وفيها بعد الديباجة الموحدية المعتادة، يوصي الخليفة بأن تجري الأحكام وفقاً للعدل، وأن تُرفع إليه أحكام الإعدام، فلا يقضى الموحدون في الدماء من تلقاء أنفسهم، ولا يريقوها بباد أو رأى من آرائهم، إلا بعد أن ترفع النازلة إلى الخليفة، وتشرح وتقيد بالشهود والعدول " وتكتب أقوال المظلومين وحججهم، وإقرارهم واعترافهم، وحجج الظالمين في مقالاتهم واستظهارهم في بياناتهم معطي كل ذي حق حقه، موفي كل قائل قوله "، وأن يدقق في الجرائم التي دون القتل، من ضرب أو جرح أو سرقة أو قتل خطأ، وكذلك في سائر المعاملات والأموال واستحقاقها وفي الرقاب وعتقها أو استرقاقها، وفي المناكحات فلا يبت في أمرها إلا بعد المطالعة، وتعرّف وجه الحق فيها، والاستناد إلى النصوص والأحكام الصحيحة، وأنه يجب التوقف ومراعاة أنه لا يقدم على إراقة الدماء، واستباحة الأموال، واستحلال الحرمات، إلا بوجه صحيح. ويختتم الخليفة رسالته بحثّ الموحدين على العمل بما جاء فيها، وأنه يجب عليهم في جميع الأحوال، تقوى الله في السر والجهر، وخيفته في الباطن والظاهر، والجرى على سنته، وأنه يجب إذاعة هذا الكتاب، والتشهير به، وجمع الناس لقراءته، وتعريف الحاضر والغائب بما فيه، وأن ترسل منه نسخ إلى سائر الجهات ليعمل الناس بما جاء " في هذا الأمر العزيز من إقامة العدل، وبسط الدعة والأمن، وإقامة أمر الله على وجهه المتعين وسننه الواضح البين " (¬1).
وإنه لما يلفت النظر في هذه الرسالة بنوع خاص، اهتمام الخليفة البين بمسألة أحكام الإعدام، وإراقة الدماء، وتشدده في المطالبة برفعها إليه، وفي
¬_______
(¬1) أورد لنا ابن صاحب الصلاة النص الكامل لهذه الرسالة في كتاب " المن بالإمامة " لوحة 79 أإلى لوحة 82 أونقلها العلامة جولدسيهر في بحثه الذي سبقت الإشارة إليه Materialien zur Kenntniss der Almohaden Bewegung (Z. der Mog. Geselisch., 1887 p. 184-188) وقد نشرناها نحن في باب الوثائق الموحدية في نهاية الكتاب.

الصفحة 21