كتاب دولة الإسلام في الأندلس (اسم الجزء: 4)

وتدلى الوالي من السور وفر إلى ميرتلة، وما كاد يسفر الصبح حتى احتل النصارى المدينة، وأخذ الناس يفرون من أبوابها، وهم يُقتلون ويأسرون من كل جانب، وقتل وأسر جماعة من أعيانها، واستولى النصارى على مقادير عظيمة من المال والمتاع.
ولكن النصارى لم يمكثوا طويلا بباجة. ذلك أن ملك البرتغال رأى من ضخامة المدينة ما يجعل الدفاع عنها مهمة شاقة، ومن ثم فقد هدم أسوارها، وأحرق ربوعها، ثم غادرها بعد أن احتلها نحو خمسة أشهر، وتركها قاعاً صفصفاً وذلك في أول يناير سنة 1173 م، وقد أخذ معه كثيراً من أهلها الأسرى. وقد أنقذ معظم هؤلاء فيما بعد بالفداء، وهاجر كثير منهم بعد خراب مدينتهم إلى مراكش (¬1).
ولم يتحرك الموحدون لسقوط باجة على هذا النحو، وشغل الخليفة أبو يعقوب منذ وصوله إلى إشبيلية بالعمل على استكمال بناء المسجد الجامع، وكذلك باستكمال بناء القصور والبساتين التي بدىء بإنشائها خارج باب جهور حسبما تقدم في موضعه.
وكذلك باستقبال وفود أهل إفريقية. بيد أنه لم يمض على ذلك أشهر قلائل، حتى اضطر الموحدون إلى خوض غمار حرب جديدة جاءت تلك المرة من ناحية قشتالة.
ففي أوائل شهر شعبان سنة 568 هـ (مارس 1173 م) خرجت من مدينة آبلة حملة قشتالية بقيادة حاكمها الكونت خمينو، وهو الذي تعرفه الرواية الإسلامية بالقومس " سان منوس " وأحياناً بشانشوا وتصفه بالأحدب عظيم النصارى بآبلة - وقد كان بالفعل أحدباً - وتسميه أحياناً " بأبي بردعة " إذ كان لعاهته يركب على بردعة وثيرة من الحرير مسرجة بالذهب مرصعة بأصناف الجواهر (¬2). وكان الكونت خمينو قد قام قبل ذلك بعدة غارات مخربة في ربوع الأندلس، ووصل
¬_______
(¬1) نقلنا هذه الرواية المفصلة عن غزو البرتغاليين لباجة عن ابن عذارى (البيان المغرب - القسم الثالث ص 100 - 103). وقد سبق أن أشرنا في موضعه إلى الرواية الموجزة التي يقدمها إلينا ابن صاحب الصلاة عن ذلك الحادث وهو ينسب وقوعه إلى شهر ذي القعدة سنة 557 هـ (ديسمبر سنة 1162 م) أعني إلى ما قبل التاريخ الذي يقدمه إلينا ابن عذارى بعشرة أعوام. (كتاب المن بالإمامة لوحة 118 ب). ولم يذكر لنا صاحب البيان المغرب مصدره. ولكن يبدو من أسلوب روايته أنها ربما نقلت عن ابن صاحب الصلاة من السفر الثالث من كتابه وهو لم يصل إلينا. وفي هذه الحالة تكون رواية ابن صاحب الصلاة الأولى من قبيل اللبس والخلط.
(¬2) ابن صاحب الصلاة في " المن بالإمامة " لوحة 190 ب، وروض القرطاس ص 139 والبيان المغرب القسم الثالث ص 98.

الصفحة 87