كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 4)

فلما أعجب بما عنده نسي أن هذا فضل اللَّه عليه، وأن الذي أعطاه قادر على أن يأخذه فيعود فقيرًا كما كان، فكانت عاقبته ما ذكره اللَّه: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (٤٢)} [الكهف].
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه قال: قال النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ (¬١)، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ (¬٢) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (¬٣).
وروى البزار من حديث أنس رضي اللهُ عنه: أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «لَوْ لَمْ تَكُونُوا تُذْنِبُونَ، لَخَشِيتُ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ: الْعُجْبَ» (¬٤).
وروى البزار من حديث ابن عباس رضي اللهُ عنهما: أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ» (¬٥).
ورُوِيَ عن ابن مسعود رضي اللهُ عنه أنه قال: «الهلاك في شيئين: العُجب والقنوط» (¬٦).
قال ابن قدامة رحمه الله: واعلم أن العُجب يدعو إلى الكِبر لأنه أحد أسبابه فيتولد من العُجب الكبر، ومن الكبر الآفات الكثيرة وهذا مع
---------------
(¬١) هي مجتمع الشعر إذا تدلى من الرأس إلى المنكبين.
(¬٢) المراد أنه ينزل في الأرض مضطربًا متدافعًا.
(¬٣) ص: ١١٣٢، برقم ٥٧٨٩، وصحيح مسلم ص: ٨٦٦، برقم ٢٠٨٨.
(¬٤) كشف الأستار (٤/ ٢٤٤) برقم ٣٦٣٣، وقال المنذري في كتابه الترغيب والترهيب (٣/ ٥٤٥ - ٥٤٦): رواه البزار بإسناد جيد.
(¬٥) (١/ ٥٩) برقم ٨٠، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم ١٨٠٢.
(¬٦) مختصر منهاج القاصدين: ص: ٢٩٨، ٢٩٩.

الصفحة 104