كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 4)

وفي آخر الحديث: «فَيَقُولُ اللَّهُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ: يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ: فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ» (¬١).
يقول عمر: «لولا ثلاث، ما أحببت العيش في هذه الحياة الدنيا: ظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات من الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام، كما ينتقى أطايب التمر».
وكم من شخص اهتدى، وأصبح من المحافظين على الصلاة، وترك مجالسة السوء، وتوجَّه إلى الدعوة؟ ! كل ذلك: بفضل اللَّه، ثم الرفقة الصالحة.
روى الترمذي في سننه من حديث أبي سعيد رضي اللهُ عنه: أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَاكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ» (¬٢).
قال الخطابي: إنما جاء هذا في طعام الدعوة دون طعام الحاجة، وذلك أن اللَّه سبحانه قال: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨)} [الإنسان] ومعلوم أن أسراءهم كانوا كفاراً غير مؤمنين ولا أتقياء، وإنما حذر عليه السَّلام من صحبة من ليس بتقي، وزجر عن مخالطته ومؤاكلته، فإن المطاعمة توقع الألفة والمودة في القلوب (¬٣).
ومن الآثار المترتبة على مجالسة أهل السوء، وهي كثيرة:
---------------
(¬١) ص: ١٢٣٠ برقم ٦٤٠٨، وصحيح مسلم ص: ١٢٣٠ برقم ٢٦٨٩.
(¬٢) ص: ٣٩٢ - ٣٩٣، برقم ٢٣٩٥.
(¬٣) عون المعبود شرح سنن أبي داود (١٣/ ١٢٣).

الصفحة 246