كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 5)

فهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكثر الرسل معجزات وأبهرهم آية، فله من المعجزات ما لا يعد ولا يحصى وقد أُلفت في معجزاته المؤلفات الكثيرة.
وقد أعطى اللَّه عزَّ وجلَّ كل نبي من الأنبياء عليهم السَّلام معجزة خاصة لم يعطها بعينها لنبي غيره تحدى بها قومه، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه، فلما كان الغالب على زمان موسى عليه السَّلام السحر وتعظيم السحرة بعثه اللَّه بمعجزة بهرت الأبصار، وحيرت كل ساحر، قال تعالى: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِين (١٠٧) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِين (١٠٨)} [الأعراف]. وقال تعالى: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٦٩)} [طه]. فلما استيقن السحرة أن هذا من عند اللَّه انقادوا وأسلموا.
وأما عيسى عليه السَّلام فقد بعثه اللَّه في زمن الأطباء فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيداً من الذي شرع الشريعة، قال تعالى: {وَأُبْرِاءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ} [آل عمران: ٤٩].
وكذلك نبينا محمد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعث في زمن الفصحاء والبلغاء فأتاهم بكتاب من عند اللَّه فاتهمه أكثرهم أنه اختلقه وافتراه من عنده فتحداهم ودعاهم أن يعارضوا ويأتوا بمثله وليستعينوا بمن شاءوا من ذلك فعجزوا، قال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَاتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَاتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨)} [الإسراء].

الصفحة 390