كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 5)

وعصبه ولحمه ودمه (¬١). ومن هذه المواطن ما رواه البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد اللَّه قال: عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين يديه ركوة (¬٢). فتوضأ فجهش (¬٣) الناس نحوه فقال: «مَا لَكُم؟ » قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة، فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا، قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة (¬٤).
ومن معجزاته صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أنواع الجمادات: حنين الجذع شوقاً إلى رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وشفقاً من فراقه، وقد ورد ذلك كما قال الحافظ ابن كثير؛ من حديث جماعة من الصحابة بطرق متعددة تفيد القطع عند أئمة الشأن وفرسان هذا الميدان (¬٥).
فمن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه من حديث جابر أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار أو رجل: يا رسول اللَّه ألا نجعل لك منبراً؟ قال «إِن شِئتُم» فجعلوا له منبراً، فلما كان يوم الجمعة دُفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي ثم نزل النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فضمها إليه، تئن أنين الصبي الذي يسكن، قال: «كَانَت تَبكِي عَلَى مَا كَانَت تَسمَعُ
---------------
(¬١) فتح الباري (٦/ ٥٨٥).
(¬٢) إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء.
(¬٣) أن يفزع الإنسان إلى الإنسان.
(¬٤) ص: ٦٨٤ برقم ٣٥٧٦، وصحيح مسلم ص: ٧٧٦ برقم ١٨٥٦ مختصراً.
(¬٥) البداية والنهاية (٨/ ٦٧٩).

الصفحة 393