كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 5)

قال ابن القيم رحمه الله: وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه، وكان أجود الناس بالخير يمينه كالريح المرسلة، وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه تارة بطعامه، وتارة بلباسه، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأمر بالصدقة ويحث عليها ويدعو إليها بحاله وقوله، ولذلك كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أشرح الخلق صدراً، وأطيبهم نفساً، وأنعمهم قلباً، فإن للصدقة وفعل المعروف تأثيراً عجيباً في شرح الصدر (¬١). روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَبًا تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ» (¬٢).
وللصدقة في رمضان فضيلة ومزية على غيره ويدخل في ذلك إطعام الطعام، قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا (٩)} [الإنسان]. روى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَفْشَى السَّلَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ» (¬٣).
ومنها إفطار الصائم، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث زيد بن خالد الجهني أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كُتِبَ لَهُ مِثْلُ
---------------
(¬١) زاد المعاد (٢/ ٢٢ - ٢٣) بتصرف.
(¬٢) ص: ١٢٣٧ برقم ٦٤٤٤، وصحيح مسلم ص: ٣٨٤ برقم ٩٩١.
(¬٣) صحيح ابن حبان ص: ١٣٩ برقم (٥٠٩).

الصفحة 399