كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 5)

ومن آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم:
أولاً: إذا علم العبد أن اللَّه هو الكافي عباده رزقاً ومعاشاً وحفظاً وكلاءة ونصراً وعزاً اكتفى بمعونته عمن سواه وإذا كان كذلك وجب ألا يكون الرجاء إلا فيه والرغبة إلا إليه: روى النسائي من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «وَمَنِ استَكفَى كَفَاهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ» (¬١) «فمن وقع في شدة وضيق فليطلب من اللَّه الكفاية فإن اللَّه يكفيه، وفي صحيح مسلم في قصة الغلام المؤمن لما أبى أن يرجع عن دينه دفعه الملك إلى نفر من أصحابه أي (جماعة من الناس) وقال لهم: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا جبل معروف عندهم شاهق رفيع وقال لهم: إذا بلغوا ذروته فاطرحوه يعني على الأرض، ليقع من رأس الجبل فيموت، بعد أن تعرضوا عليه أن يرجع عن دينه فإن رجع وإلا فاطرحوه.
فلما بلغوا قمة الجبل فطلبوا منه أن يرجع عن دينه أبى، لأن الإيمان قد وقر في قلبه ولا يمكن أن يتحول أو يتزحزح، فلما هموا أن يطرحوه قال: اللَّهم اكفنيهم بما شئت - دعوة مضطر مؤمن - أي: بالذي تشاء ولم يعين، فرجف اللَّه بهم الجبل فسقطوا وهلكوا، وجاء الغلام إلى الملك فقال: ما الذي جاء بك أين أصحابك؟ فقال: قد كفانيهم اللَّه، ثم دفعه إلى جماعة آخرين وأمرهم أن يركبوا البحر في قُرقُور (سفينة). فإذا بلغوا لجة البحر عرضوا
---------------
(¬١) جزء من حديث ص: ٢٧٩ برقم ٢٥٩٥، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن النسائي (٢/ ٢٢٧).

الصفحة 405