كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 5)

الثاني: في الآخرة حيث تُوَفَّى كل نفس ما عملت ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُون (١٢)} [السجدة]. وقال تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَاتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُون (٥٥) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} [الزمر: ٥٥ - ٥٦]. قال ابن كثير رحمه الله: أي يوم القيامة يتحسر المجرم المفرط في التوبة والإنابة ويود لو كان من المحسنين المخلصين المطيعين للَّه عزَّ وجلَّ (¬١). وفي الصحيحين في قصة الكبش الذي يذبح بين الجنة والنار ويقال: يَا أَهلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوتَ، وَيَا أَهلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوتَ، ثم قرأ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُون (٣٩)} [مريم]، وأشار بيده إلى الدنيا (¬٢).
فعلى العاقل أن يغتنم أيام حياته فما يدريه لعله لم يبق له منها إلا يسير.
قال القاضي ابن أبي عصرون:
أُؤملُ أَنْ أَحْيَا وفِي كلِّ ساعةٍ
تَمرُّ بِيَ المَوْتَى تَهُزُّ نُعُوشُها
ومَا أَنَا إلا مِنْهُم غَيْرَ أَنْ لِيَ
بَقايَا ليالٍ فِي الزمانِ أعيشُها
قال ابن القيم رحمه الله: «ما مضى من الدنيا أحلام وما بقي منها
---------------
(¬١) تفسير ابن كثير (١٢/ ١٤٥).
(¬٢) ص: ٩١٤ برقم ٤٧٣٠، وصحيح مسلم ص: ١١٤٤ برقم ٢٨٤٩.

الصفحة 419