كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 5)

حيث توجه يحوطه وينصره ويحفظه ويوفقه ويسدده، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُون (١٢٨)} [النحل: ١٢٨]. قال قتادة: «من يتق اللَّه يكن معه ومن يكن اللَّه معه فمعه الفئة التي لا تغلب والحارس الذي لا ينام والهادي الذي لا مضل له».
قوله: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ»: هذا منتزع من قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين (٥)} [الفاتحة]. فإن السؤال للَّه هو دعاؤه والرغبة إليه والدعاء هو العبادة (¬١).
فتضمن هذا الكلام أن يسأل اللَّه عزَّ وجلَّ ولا يسأل غيره وأن يستعان باللَّه دون غيره، فأما السؤال فقد أمر اللَّه بمسألته، قال تعالى: {وَاسْأَلُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ} [النساء: ٣٢]. وفي النهي عن سؤال المخلوقين أحاديث كثيرة صحيحة، وقد بايع النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جماعة من أصحابه على أن لا يسألوا الناس شيئاً منهم أبو بكر الصديق وأبو ذر وثوبان وكان أحدهم يسقط سوطه أو خطام ناقته فلا يسأل أحداً أن يناوله إياه.
قوله: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة، قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ
---------------
(¬١) حديث في سنن أبي داود ص: ١٧٧ برقم ١٤٧٩، وانظر صحيح الجامع الصغير برقم ٣٤٠٧.

الصفحة 454