كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 5)

ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير (٢٢)} [الحديد]. وفي صحيح مسلم من حديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللهُ عنه أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» (¬١).
وروى الترمذي في سننه من حديث جابر أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ» (¬٢).
قال عبيد اللَّه بن عتبة:
واصْبِرْ عَلَى القَدَرِ المَحْتُومِ وارْضَ به ... وإِنْ أَتَاكَ بِمَا لا تَشتهِي القَدَرُ
فَمَا صَفَا لامْرِئٍ عَيْشٌ يُسَرُّ بِهِ ... إلا سَيَتْبَعُ يَوْماً صَفْوَهُ كَدَرُ
ومدار جميع هذه الوصايا على هذا الأصل وما ذكر قبله وبعده فهو متفرع عليه وراجع إليه فإن العبد إذا علم أنه لن يصيبه إلا ما كتب اللَّه له من خير وشر ونفع وضر وأن اجتهاد الخلق كلهم على خلاف المقدور غير مفيد البتة، علم حينئذٍ أن اللَّه وحده هو الضار النافع المعطي المانع فأوجب ذلك العبد توحيد ربه عزَّ وجلَّ وإفراده بالطاعة وحفظ حدوده، فمن علم أنه لا ينفع ولا يضر ولا يعطي ولا يمنع غير اللَّه أوجب ذلك أفراده بالخوف والرجاء والمحبة والسؤال والتضرع والدعاء وتقديم طاعته على طاعة الخلق جميعاً وأنه يتقي
---------------
(¬١) ص: ١٠٦٥ برقم ٢٦٥٣.
(¬٢) ص: ٣٥٧ برقم ٢١٤٤ وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (٢/ ٢٢٦).

الصفحة 455