كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 5)

ومنها: البخل، فهم قاتلهم اللَّه اتهموا اللَّه بالبخل، فعندما نزل قول اللَّه تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: ٢٤٥]. قالوا: يا محمد افتقر ربك فسأل عباده القرض؟ فعاقبهم اللَّه بنفس الصفة الذميمة التي اتهموه بها، قال تعالى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء} [المائدة: ٦٤]. لذلك اليهود من أشد الناس بخلاً وأقلهم إنفاقاً وبذلاً.
ومنها: صفة الذل، قال تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَاّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ} [آل عمران: ١١٢]. قال ابن جرير الطبري: «أُلزِمَ اليهود المكذبون لمحمد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الذلة أينما كانوا من الأرض، وبأي مكان كانوا من بقاعها من بلاد المسلمين والمشركين، {إِلَاّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ} أي: بعهد من اللَّه وعهد من الناس لهم والمراد بالحبل: السبب الذي يأمنون به على أنفسهم من المؤمنين وعلى أموالهم وذراريهم من عهد وأمان، تقدم لهم عقده قبل أن يثقفوا في بلاد الإسلام» (¬١).
وهم الآن تحت حماية النصارى الأمريكان وهم في ذلة وإن ملكوا الأسلحة النووية، والطائرات، والدبابات المتطورة، وتفوقوا على المسلمين في القوة العسكرية، {وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون (٢١)} [يوسف].
والحمد للَّه رب العالمين وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
---------------
(¬١) تفسير ابن جرير (٣/ ٣٩٤).

الصفحة 632