كتاب تفسير الراغب الأصفهاني (اسم الجزء: 4-5)

النقطة من الدائرة ومجرى المقرطس من المريء، وأن ما عداه كله باطل
وضلالٌ، لكن منه ما هو قريب ومنه ما هو بعيد، كما أن العدول عن المقرطس قد يكون قريبا، وقد يكون بعيداً، كذلك العدول عن الحق يكون قريباً وبعيداً، ولهذا قيل: سمى الله ذنوب الأنبياء، وفجور الكفار حميعاًالضلال، وإن كان بينهما بونٌ بعيدٌ، ولما كان كذلك وكان أفظع الضلال الشرك بالله، نبه بقوله: (ضَلَالًا بَعِيدًا) أن الشرك إذا اعتبر بسائر الضلالات، فهو أكبرهن وأعظمهن، فإن متحريه قد يضل عن الطريق المستقيم ضلالا يصعب رجوعه إليه، فإن مرتكب الذنب الصغير يجري مجرى الضال عن الطريق القريب يرجى عوده إليه، ومن قال إن هذه الآية مجمله، فإنه يجب أن يبني على قوله: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) وإن بناء هذه على تلك يقتضي أن
يغفر ما دونها من الصغائر، فهذا تشبيه منه وترك للظاهر، فإنه تعالى بيَّن أنه

الصفحة 156