كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 12 """"""
وفي كتاب للهند أن رجلاً دخل على بعض ملوكهم فقال : أيها الملك ، إن نصيحتك واجبة في الصغير الحقير والكبير الخطير ، ولولا الثقة بفضيلة رأيك واحتمال ما يسوء موقعه منك في جنب صلاح العامة وتلافي الخاصة لكان خرقاً مني أن أقول ، ولكّنا إذا رجعنا إلى أن بقائنا مشمولٌ ببقائك ، وأنفسنا معلقةٌ بنفسك لم نجد بدّاً من أداء الحق إليك وإن أنت لم تسلني ذلك ؛ فإنه يقال : من كتم السلطان نصيحته والأطباء مرضه والإخوان بثّه فقد أخلّ بنفسه . وأنا أعلم أن كل ما كان من كلام يكرهه سامعه ، لم يتشجع عليه قائله إلا أن يثق بعقل المقول إليه ، فإنه إذا كان عاقلاً احتمل ذلك ، لأنه ما كان فيه من نفعٍ فهو للسامع دون القائل . وإنك أيها الملك ذو فضيلة في الرأي وتصرف في العلم ، وإنما يشجعني ذلك على أن أخبرك بما تكره واثقاً بمعرفتك بنصحي لك وإيثاري إياك على نفسي .
وقال عمرو بن عتبة للوليد بن يزيد حين تغيّر الناس له : يا أمير المؤمنين ، إنه ينطقني الأمن منك ، وتسكتني الهيبة لك ، وأراك تأمن أشياء أخافها عليك ، أ فأسكت مطيعاً أم أقول مشفقاً ؟ قال : قل ، مقبولٌ منك ، ولله فينا علم غيبٍ نحن صائرون إليه ، فقتل بعد ذلك بأيام .
وقالوا : ينبغي لمن صحب السلطان ألاّ يكتم عنه نصيحته وإن استقلّها ، وليكن كلامه له كلام رفق لا كلام خرق ، حتى يخبره بعيبه من غير أن يواجهه بذلك ، ولكن يضرب له الأمثال ويعرّفه بعيب غيره ، ليعرف به عيب نفسه . دخل الزّهريّ على الوليد بن عبد الملك فقال له : ما حديثٌ يحدّثنا به أهل الشام ؟ قال : وما هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : يحدثوننا أن الله إذا استرعى عبداً رعية

الصفحة 12