كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 15 """"""
المسألة يعاد له بها : يا هذا ، دونك فأجب ؟ وإذا لم يقصد الملك بمسئلته رجلاً بعينه وعمّ بها جميع من عنده فلا تبادرنّ بالجواب ، ولا تسابق الجلساء ولا تواثب بالكلام مواثبة ، فإنك إن سبقت القوم إلى الجواب صاروا لكلامك خصوماً فتعقبوه بالعيب له والطعن فيه ، وإذا أنت لم تعجل بالجواب وخليّته للقوم عرضت قولهم على عينك ، ثم تدبرته وفكرت فيه وفيما عندك ، ثم هيأت من تفكيرك ومما سمعت جواباً مرضياً ، ثم استدبرت به أقاويلهم حتى تصغي إليك الأسماع ، ويهدأ عنك الخصوم . فإن لم يبلغك الكلام واكتفى بغيرك وانقطع الحديث فلا يكوننّ من الغبن عند نفسك فوت ما فاتك من الجواب ، فإن صيانة القول خيرٌ من سوء موضعه . وقال : إذا كلّمك السلطان فاستمع لكلامه واصغ إليه ، ولا تشغل طرفك بنظر ، ولا أطرافك بعمل ، ولا قلبك بحديث نفس ، واحذر هذا من نفسك وتعهّدها به . وقال : لا تشكونّ إلى وزراء السلطان ودخلائه ما اطلعت عليه منه من رأى أنت تكرهه ، فإنك تكون قد فطنتهم لهواه والميل عليك معه . وقال : لا تكونن صحبتك للملوك إلا بعد رياضة منك لنفسك على طاعتهم في المكروه عندك ، وموافقتهم فيما خالفك ، وتقدير الأمور على أهوائهم دون هواك ، وعلى ألاّ تكتمهم سرّك ولا تستطلعهم على ما كتموك ، وتخفي ما أطلعوك عليه عن الناس كلهم حتى تحمي نفسك الحديث به ، وعلى الاجتهاد في طلب رضاهم ، والتلطّف لحاجاتهم ، والتثبيت لحجتهم ، والتصديق لمقالتهم ، والتزين لرأيهم ، وقلة الامتعاض لما فعلوا إذا أساءوا ، وترك الانتحال لما فعلوا إذا أحسنوا ، وكثرة النشر لمحاسنهم ، وحسن الستر لمساوئهم ، والمقاربة لمن قاربوا وإن كان بعيداً ، والمباعدة لمن باعدوا وإن كان قريباً ، والاهتمام بأمورهم وإن لم يهتموا ، والحفظ لأمورهم وإن ضيّعوا ، والذكر لأمورهم وإن نسوا ، والتخفيف بمؤنتك عنهم ، والاحتمال لكل مؤنة لهم ، والرضا منهم بالعفو ، وقلة الرضا من نفسك بالمجهود .
فإن كنت حافظاً إذا ولّوك ، حذرً إذا قربوك ، أميناً إذا ائتمنوك ، ذليلاً إذا صرموك ، راضياً إذا أسخطوك ، تعلمهم وكأنك تتعلم منهم ، وتؤدبهم وكأنك تتأدب منهم ، وتشكرهم ولا تحمّلهم الشكر ، وإلاّ فالبعد منهم كل البعد .
ومن الآداب العرفية في صحبة الملوك وخدمتهم ، ألاّ يسلّم على قادمٍ بين أيديهم ، وإنما استسنّ ذلك زياد بن أبيه ، وذلك أن عبد الله بن

الصفحة 15