كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 18 """"""
بالمحبة منها ، فإنّ طلبك الناس بإحسانك هو أدوم بقاءً منه باعتسافك ؛ واعلم أنك إنما تملك الأبدان فاجمع لها القلوب ؛ واعلم أنّ الرعية إذا قدرت أن تقول قدرت أن تفعل .
وهذا مخالف لما حكي عن معاوية أنّ رجلاً أغلظ عليه فحلم عنه ؛ قيل له : أتحلم عن مثل هذا ؟ فقال : إنا لا نحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا .
وكتب إلى الإسكندر : اعلم أنك غير مستصلح رعيتك وأنت مفسد ، ولا مرشدهم وأنت غاوٍ ، ولا هاديهم وأنت ضالّ ؛ وكيف يقدر الأعمى على الهدى ، والفقير على الغنى ، والذليل على العزّ .
وقال أنوشروان : ثمانية أشياء هي أساس الملك ، يأتي بأربعة ، ويحذر أربعة ؛ فالذي يأتي به : النصح في الدين ، وكفاء الأمين ، وتقديم الحزم ، وإمضاء العزم .
والذي يحذره : غشّ الوزير ، وسوء التدبير ، وخبث النية ، وظلم الرعية .
وقال أردشير لأصحابه : إني إنما أملك الأجساد لا النيات ، وأحكم بالعدل لا بالرضا ، وأفحص عن الأعمال لا عن السرائر .
وقال أبرويز لابنه شيرويه : لا توسعنّ على جندك سعةً يستغنون بها عنك فيطغوا ، ولا تضيق عليهم ضيقاً يضجون به منك ، ولكن أعطهم عطاءً قصداً وامنعهم منعاً جميلاً ، وابسط لهم في الرجاء ، ولا تبسط لهم في العطاء .
وكتب إليه أيضاً من الحبس : اعلم أن كلمةً منك تسفك دماً وأخرى تحقن دماً ، وأن سخط سيفك مسلول على من سخطت عليه ، وأن رضاك بركةٌ مستفادةٌ على من رضيت عنه ، وأنّ نفاذ أمرك مع ظهور كلامك ، فاحترس في غضبك من قولك أن يخطئ ، ومن لونك أن يتغيّر ، ومن جسدك أن يخفّ ، فإن الملوك تعاقب حزماً وتعفو حلماً . واعلم أنك تجلّ عن الغضب ، وأن ملكك يصغر عن رضاك ، فقدر لسخطك من العقاب ما تقدر لرضاك من الثواب .
وكتب إليه أيضاً من الحبس : اختر لولايتك امرأً كان وضيعاً فرفعته ، وذا شرفٍ كان مهملاً فاصطنعته ، ولا تجعله امرأً أصبته بعقوبة فاتضع

الصفحة 18