كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 19 """"""
لها ، ولا امرأً أطاعك بعدما أذللته ، ولا أحداً ممن يقع في خلدك أنّ إزالة سلطانك أحبّ إليه من ثبوته ؛ وإياك أن تستعمله ضرعاً غمراً ، كثيراً إعجابه بنفسه ، قليلاً تجربته في غيره ، ولا كبيراً مدبراً قد أخذ الدهر من عقله كما أخذت السّنّ من جسمه .
قال لقيط الإيادي :
فقلّدوا أمركم لله درّكم . . . رحب الذّراع بأمر الحرب مضطلعا
لا مترفاً إن رخاء العيش ساعده . . . ولا إذا عضّ مكروهٌ به خشعا
مازال يحلب درّ الدهر أشطره . . . يكون متّبعاً طوراً ومتّبعا
حتّى استمرّت على شزرٍ مريرته . . . مستحصد الرأي لا قحماً ولا ضرعا
وكتب سابور بن أردشير في عهده إلى ولده : ليكن وزيرك مقبول القول عندك ، قويّ المنزلة لديك ، يمنعه مكانه منك وما يثق به من لطافة منزلته ، من الخشوع لأحدٍ أو الضراعة أو المداهنة لأحد في شيء مما تحت يده ، لتبعثه الثقة بك على محض النصيحة لك ، والمنابذة لمن أراد غشك وانتقاصك حقّك . وإن أورد عليك رأياً يخالفك ولا يوافق الصواب عندك ، فلا تجبهه جبه الظّنين ، ولا ترده عليه بالتجهّم فيفتّ ذلك في عضده ، ويقبضه عن إبثاثك كل رأيٍ يلوح صوابه ، بل اقبل ما ارتضيت من قوله ، وعرّفه ما تخوفت من ضرر الرأي الذي انصرفت عنه ، لينتفع بأدبك فيما يستقبل الرأي فيه . واحذر كل الحذر أن تنزل هذه المنزلة سواه ممن يطيف بك من خدمك وخاصتك ، وأن تسهل لأحد منهم سبيل الانبساط بالنطق عندك

الصفحة 19