كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 20 """"""
والإفاضة في أمور ولايتك ورعيتك ، فإنه لا يوثق بصحة رأيهم ، ولا يؤمن الانتشار فيما أفضي من السر إليهم . وقال ابن المقفع : عوّد نفسك الصبر على من خالفك من ذوي النصيحة ، والتجرع لمرارة قولهم وعذلهم ، ولا تسهلنّ سبيل ذلك إلا لأهل الفضل والعقل والسن والمروءة في ستر ، لئلا ينتشر من ذلك ما يجترىء به سفيه أو يستخف به شانئ . واعلم أن رأيك لا يتسع لكل شيء ففرغه لمهم ما يعنيك ، وأن مالك لا يتسع للناس فاخصص به أهل الحق ، وأن كرامتك لا تطيق العامة فتوخّ بها أهل الفضل ، وأن ليلك ونهارك لا يستوعبان حاجاتك وإن دأبت فيهما ، فأحسن قسمتهما بين عملك ودعتك . واعلم أن ما شغلت من رأيك بغير المهم أزرى بك ، وما صرفت من مالك في الباطل فقدته حين تريده للحق ، وما عدلت به من كرامتك إلى أهل النقص أضرّ بك في العجز عن أهل الفضل .
وكتب عبد الله بن عباس إلى الحسن بن عليّ لما ولاّه الناس أمرهم بعد عليّ رضي الله عنهما : أن شمّر للحرب ، وجاهد عدوّك ، واشتر من الضنين دينه بما لا يثلم دينك ، ووال أهل البيوتات تستصلح به عشائرهم .
وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : يجب على الوالي أن يتعهد أموره ويتفقد أعوانه حتى لا يخفى عليه إحسان محسن ولا إساءة مسيء ، ثم لا يترك أحدهما بغير جزاء ، فإنه إذا ترك ذلك تهاون المحسن واجترأ المسيء ، وفسد الأمر وضاع العمل .
وقال بعض الحكماء : الملك المنعم إذا أفاض المكارم واغتفر الجرائم ارتبط بذلك خلوص نية من قرب منه وهم الأقل ، وانفساح الأمل ممن بعد عنه وهم الأكثر ، فيستخلص حينئذ ضمائر الكل من حيث لم يصل معروفه إلا إلى البعض .

الصفحة 20