كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)
"""""" صفحة رقم 202 """"""
الأمد مجردا ، وركن الإيمان بإعداد القوة وهي الرمي فيما ورد عن نبيه على كر الجديدين مجددا ؛ الذي أعاد رداء الجهاد في مواطن الصبر بالنصر معلماً ، وأباد أهل الإلحاد بأن جعل لحماة دينه في أرواحهم أقساما وفي مقاتلهم أسهما ، وأزال بأيدي القسي من معاقل أهل الكفر حكم كماتهم الذين ارتقوا منها خشية الموت سلما ، وأفاء على الإسلام من النصر ما فاء به كل دينٍ له خاضعاً وآل إليه مستسلما ، وأبان حكم الأدب في تجرد العبد من القوة إلا به بقوله عز من قائل : " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " . نحمده على نعمه التي لم يزل بها قدح الدين فائزاً وسهمه مصيبا ، ومننه التي ما برح بها جد الكفر مدبراً فلا يجد له في إصابة نصلٍ أو نصرٍ نصيبا ، وآلائه التي لا تنفك بها سوام السهام ترد من وريد الشرك منهلاً عذباً وترود من حب القلوب مرعىً خصيبا ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تدني النصر وإن بعد مداه ، وتدمي النصل الذي على راميه إرساله إلى المقاتل وعلى الله هداه ، وتسمي القدر لمن ناضل عليها فيفوز في الدنيا والآخرة بما قدمت يداه ؛ ونشهد أن محمداً عبده الذي نصر بالرعب على من كفر ، ورسوله الذي رمى جيش الشرك بقبضةٍ من تراب فكان فيها الظفر ، ونبيه الذي نفر إلى أهل بدرٍ بنفرٍ من أصحابه فجمع الله النصر والفخر لأولئك النفر ؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين آمنوا بما أنزل عليه وجاهدوا بين يديهن واختصوا بالذب عنه بمزايا القرب حتى سعد سعدٌ بما جمع له ، حين أمره بالرمي ، في التفدية بين أبويه ، وخص بعموم الرضوان عمه العباس الذي أقر الله بإسلامه ناظريهن وبشره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) باستخلاف بنيه في الأرض فيما أسر به إليه .
وبعد ، فإن الرمي أفضل ما أعد للعدا ، وأكمل ما أفيض به على أهل الكفر رداء الردى ؛ وأبلغ ما يبعث إلى المقاتل من رسل المنون ، وأنفع ما يقتضى به في الوغى من أعداء الدين الديون ، وأسرع ما تبلغ به المقاصد فيما يرى قريباً وهو أبعد ما يكون ؛ وأنكى ما تقذف به عن الأهلة شهب الحتوف ، وأسبق ما تدرك به الأغراض قبل أن تعرف بها الرماح أو تشعر بمكانها السيوف ، ما طلع في سماء النقع قوسه إلا سح وبل النبل ، ولا استبقت الآجال وسهمه إلا كان في بلوغها السبق من بعد والسبق من قبل .
ومن شرف قدره الذي دل عليه كلام النبوة ، أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نبه على أنه المراد بقوله تعالى : " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ " .