كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 203 """"""
ومن أسباب فضله الذي أصبح به قدره ساميا ، وفخره ناميا ، وقطره في أفق النصر هاميا ، ما ورد من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) لفتيةٍ ممن أسلم من أسلم : " ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا " .
ومما عظمت به على الأمة المنة ، وغدت فيه نفوس أرباب الجهاد بالفوز في الدنيا والآخرة مطمئنة ، قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " تعلموا الرمي فإنه ما بين الغرضين روضةٌ من رياض الجنة " ز ومن فضل الرمي الذي لا يعرف التأويل ، ما نقل من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " من رمى بسهم في سبيل الله أخطأ أو أصاب فكأنما أعتق رقبةً من ولد إسماعيل " ز ومما يرفع قدر السهم ما روي عنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قوله : " إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفرٍ الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير وراميه ومنبله " .
ومما حضهم به على الرمي ليجتهدوا فيه ويدأبوا : قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " ارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا " .
ومن خصائص السهم أنه ذو خطوة في الهواء وحكمٍ نافذٍ في الماء ، وتصرفٍ حتى في الوحش السانح في الأرض والطير المحلق في السماء ؛ يكلم بلسانٍ من حديد ، ويبطش عن باعٍ مديد ؛ إن رام غرضاً طار إليه بأجنحة النسور ، وإن حمى معلما أصاب الحدق وصان الثغور ؛ يوجد بصره حيث فقد ، وإذا انفصل عن أمه لم يسر من كبدٍ إلا إلى كبد ؛ أنجز فعله على ما فيه من إخلاف الطباع ، وشرفت أجناسه بكونها أولى أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع .
ومن خصائص القوس أنها عقيمٌ ذات بنين ، صامتةٌ وهي ظاهرة الأنين ؛ لها كبدٌ وهي غير مجوفة ، ويدٌ لا تملك شيئا وهي في الأرواح متصرفة ؛ ورجلٌ ما نقلت قدما ، وقبضةٌ ما عرفت إثراءً ولا عدما ؛ فهي نونٌ ما ألف الماء ، وهلالٌ ما سكن السماء ، وقاتلةٌ ما باشرت الدماء .
ولما كان أهل هذه الفضيلة يتفاوتون في مواهبها ، ويتباينون في مذاهبها ؛ ويبلغ أحدهم بصنعته ما يبلغه الآخر بقواه ، ويصل بإتقانه إلى ما لا يدركه من وجود التساوي سواه ؛ وكان فلان ممن له هذا الشأن الباع المديد والساعد الشديد ، والإتقان الذي يتصرف به في الرمي كيف يشاء ويضع به السهم حيث يريد ؛ كأنما سهمه بذرع الفضاء موكل ، أو للجمع بين طرفي الأرض مؤهل ، أو لسبق البروق معدٌ إذا لمعت في حواشي السحاب المفوفة وخطرت في هداب الدمقس المفتل . وله المواقف التي تشق سهامه فيها الشعر ، وتبلغ بها من الأغراض المتباعدة ما يشق إدراكه على النظر ؛ فمنها أنه لما كان في اليوم الفلاني فعل كذا وكذا .
ووصف ما فعله .
هذا شيء مما قيل في السلاح فلنذكر الجنن .

الصفحة 203