كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)
"""""" صفحة رقم 214 """"""
والرابع : علمه بالقياس الموجب لرد الفروع المسكوت عنها إلى الأصول المنطوق بها والمجمع عليها ، حتى يجد طريقاً إلى العلم بأحكام النوازل ويميز الحق من الباطل .
فإذا أحاط علمه بهذه الأصول الأربعة في أحكام الشريعة ، صار بها من أهل الاجتهاد في الدين ، وجاز له أن يفتي ويقضي .
وإن أخل بها أو بشيءٍ منها ، خرج من أن يكون من أهل الاجتهاد ، ولم يحز أن يفتي ولا أن يقضي .
فإن قلد القضاء فحكم بصواب أو خطأ كان تقليده باطلاً ، وحكمه وإن وافق الصواب مردودا ، وتوجه الحرج عليه وعلى من قلده .
وجوز أبو حنيفة تقليد القضاء من ليس من أهل الاجتهاد ، ويستفتي في أحكامه وقضاياه .
هذا معنى ما قاله أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي .
وقال الحسين الحليمي في كتابه المترجم ب " المنهاج " : وينبغي للإمام ألا يولي الحكم بين الناس إلا من جمع إلى العلم السكينة والتثبت ، وإلى الفهم الصبر والحلم ، وكان عدلاً أميناً نزهاً عن المطاعم الدنية ، ورعاً عن المطامع الردية ؛ شديداً قوياً في ذات الله ، متيقظاً متخوفاً من سخط الله ؛ ليس بالنكس الخوار فلا يهاب ، ولا المتعظم الجبار فلا ينتاب ؛ لكن وسطاً خيارا .
ولا يدع الإمام مع ذلك أن يديم الفحص عن سيرته ، والتعرف بحالته وطريقته ؛ ويقابل منه ما يجب تغييره بعاجل التغيير ، وما يجب تقريره بأحسن التقرير ؛ ويرزقه من بيت المال - إن لم يجد من يعمل بغير رزق - ما يعلم أنه يكفيه ؛ ولا يقصر به عن كفايته ، فيتطلع إلى أموال الناس ويشتغل عن أمورهم بطرف من الاكتساب يجبر به ما نقصه الإمام من كفايته ، فتختل بذلك القواعد .
وإذا رزق الإمام القاضي فلا يصيب وراء ذلك من رعيته شيئاً ، لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " من استعملناه على عمل من أعمالنا ورزقناه شيئاً فما أصاب بعد ذلك - أو مما سوى ذلك - فهو سحت " .
وإن أهدي إليه شيءٌ ، لم يكن له قبوله .
فإن كان للمهدى قبله خصومةٌ فأهدى ليحكم له أو لئلا يحكم عليه ، فهذا هو الرشوة ، وهو سحت .
وقد لعن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الراشي والمرتشي والرائش ، وهو الذي يمشي بينهما .
وإن أهدى إليه المحكوم له بعد الحكم تشكراً ، لا يقبله ؛ لأن ما فعل كان واجباً عليه .