كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 220 """"""
يقوم مقامه أجبره عليه اقتداءً بعمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ فإنه دعا سعيد بن عامر الجمحي فقال : إني مستعملك على أرض كذا وكذا ؛ فقال : لا تفتني ، فقال عمر : والله لا أدعك ، قلد تموها عنقي وتتركوني قال : وإذا كان عند الرجل أنه يصلح للقضاء فأراد أن يطلبه ، أو دعاه الإمام إليه فأراد أن يجيبه ، فلا ينبغي له أن يبادر بما في نفسه من طلبٍ أو إجابة حتى يسأل أهل العلم والفضل والأمانة ممن خبره وعلم حاله ، ويقول : إني أريد القضاء ، فما ترون في ؟ وهل تعرفون صلاحي لذلك أولاً ؟ فإن ذلك من المشورة التي أمر الله تعالى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بها ، فقال تعالى : " وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله " .
وقد قدمنا في باب المشورة من فضيلتها ما فيه غنيةٌ عن تكراره .
قال : وإذا سأل عن نفسه فينبغي للمسئول أن ينصح له ويصدقه ، لقول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " ألا إن الدين نصيحة " قيل : لمن يا رسول الله ؟ قال : " لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " ولأن المستشار مؤتمنٌ ، ولقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " من غشنا فليس منا " .
وإذا أراد تقلد القضاء فليستخر الله تعالى ويسأله التوفيق والسداد .
فإذا تقلد فينبغي أن يوكل المتميزين الثقات الأمناء من إخوانه وأهل العناية بنفسه ، ويسألهم أن يتفقدوا أحواله وأموره ، فإن رأوا منه عثرةً نبهوه عليها ليتداركها .
قال : وأيما حاكمٍ نصب بين ظهراني قومٍ فينبغي لهم أن يسمعوا له ويطيعوا ، ويترافعوا إليه إذا اختلفوا وتنازعوا ، ليفصل بينهم ؛ فإذا فصل انقادوا لفصله واستسلموا لحكمه .
قال الله تعالى : " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً " .
وقال تعالى : " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون " .
وذم الله تعالى قوماً امتنعوا من الحكم فقال : " وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريقٌ منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرضٌ أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون " .
قال : وإذا ارتفع أحد الخصمين إلى حاكمٍ وسأله إحضار خصمه فدعاه الحاكم فعليه أن يجيبه ؛ فإذا حضرا فلا يخرجا عن أمر الحاكم ؛ فأيهما خرج فهو

الصفحة 220