كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 221 """"""
عاصٍ ؛ فإنما يقضي الحاكم بحكم الله .
وللحاكم أن يؤدبه بما يؤديه اجتهاده .
وأيما حاكمٍ أو والٍ دعا رجلاً من رعيته ولم يعلم لم يدعوه ، فعليه إجابته ؛ وإن علم أنه لدعوى رفعت إليه من مدع ، فإن كان ذلك المدعي حضر مع رسول الحاكم فأرضاه ، سقط عنه الذهاب إلى الحاكم ، وإن كان لم يحضر هو ولا وكيلٌ له ، فليذهب ليجيب ؛ ولا يسعه التخلف مع ترك الدفع إلا في حالة واحدة ، وهي أن يكون المدعي كاذباً وقد أعد شهوداً زوراً لا يقدر على دفع شهادتهم ، فخشي إن حضر أقيمت الشهادة عليه فحبس وأخذ منه المال قهراً ، أو يفرق بينه وبين امرأته ، فله أن يهرب أو يتوارى ؛ فهذا موضع عذرٍ وضرورةٍ قلا يقاس عليه غيره .
والله تعالى أعلم .
كاتب القاضي وبطانته قال الحليمي : وإذا افتتح القاضي عمله واحتاج إلى أعوانٍ يعملون له من كاتبٍ وأصحاب مسائل وقاسمٍ ، فلا يتخذن إلا كاتباً مسلماً عدلاً أميناً فطناً متيقظاً ؛ لأنه بطانته ولا يغيب عنه أمره وأمر المترافعين إليه شيء ، وأمينه وأمين المتخاصمين على ما يثبته ويخطه .
ولا يجوز أن يكون من غير أهل الدين ، لقوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر " .
وكذلك القاسم ينبغي أن يكون أميناً بصيراً بالفرائض والحساب ، لأن القاسم شعبةٌ من شعب الحكم ، فينبغي أن يكون من يتولاه في العدالة والأمانة والعلم الذي يحتاج إليه كمن يتولى جميع شعبه . وكذلك أصحاب المسائل هم أمناء القاضي على الشهادات التي تتعلق بها حقوق المسلمين ؛ فلا ينبغي أن يأمن عليها إلا المستحق لأن يؤتمن ، ولا يثق فيها إلا بمن يستوجب بحسن أحواله الثقة به .
وينبغي للقاضي أن ينزه نفسه ومن حوله ويشدد عليهم ولا يرخص لهم في أمر ينقمه منهم أو يخشى أن يتطرقوا به إلى غيره ويرتقوا إلى ما فوقه .
وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا صعد المنبر فنهى الناس عن شيء ، جمع أهله فقال : إني نهيت الناس عن كذا وكذا ، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم النيء ، وأقسم بالله لا أجد أحداً منكم فعله إلا أضعفت عليه العقوبة .

الصفحة 221