كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 222 """"""
قال : ولا ينبغي للإمام ولا القاضي أن يقدم أقاربه على عامة المسلمين ، ولا يسوغهم ما لا يسوغ غيرهم ، ولا ينظر لهم بما لا ينظر به لغيرهم ، ولا يستعملهم ويوليهم .
ما يعتمده في جلوسه
فقد قال الحليمي أيضاً : وإذا أراد الحاكم الجلوس للحكم فليجلس وهو فارغ القلب لا يهمه إلا النظر في أمور المتظلمين .
وإن تغيرت حاله بغضب أو غمٍ أو سرورٍ مفرط أو وجع أو ملالة أو اعتراء نومٍ أو جوعٍ فليقم إلى أن يزول ما به ويتمكن من رأيه وعقله ثم يجلس .
فقد روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : " لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان " ؛ وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : " لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان " .
هكذا نقل الحليمي في " منهاجه " ، وهذه سنة السلف .
قال : والقاضي في جلوسه بالخيار : إن شاء أن يخرج بالغداة إذا طلعت الشمس فيقضي حوائج الناس أولاً فأولاً حتى لا يزدحموا على بابه ، فعل ؛ وإن شاء أقام في بيته يتأهب ويستعد بمطالعة بعض الكتب أو بالاجتهاد والتأمل إلى أن يجتمع الخصوم ثم يخرج ، فعل .
وينبغي أن يكون عند الحاكم من يحفظ نوب الناس فيقدم الأولى فالأولى ، ويجلسهم مجالسهم .
وإن رأى القاضي أن يحضر مجلسه درةً تطرح على أعين الناس لينتهوا بها فإن استوجب أحدٌ من الخصوم تعزيراً أقيم عليه بها ، فعل .
روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن درته كانت تكون معه ، وكذلك جماعة من قضاة السلف رحمهم الله .
وأما في عصرنا هذا فقد كان شيخنا الإمام العلامة القدوة مفتي الفرق بقية المجتهدين تقي الدين أبو الفتح محمد ابن الشيخ الإمام مجد الدين أبي الحسين علي بن وهب ابن مطيع القشيري المعروف بابن دقيق العيد - رحمه الله - منع نوابه من أن يضربوا بالدرة في أثناء ولايته قاضي القضاة بالديار المصرية ، وقال : إنه عارٌ يلحق ولد الولد .
وكان سبب منعه - رحمه الله ورضي عنه - لذلك أن بعض نوابه بالأعمال عزر بعض أعيان البلد التي هو ينوب بها بالدرة في المسجد الجامع وقال له

الصفحة 222