كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)
"""""" صفحة رقم 223 """"""
عقيب ضربه وإسقاطه : قد ألحقتك بأبيك وجدك ، وكانت هذه الحادثة في سنة سبع وتسعين وسبعمائة أو ما يقاربها ، ففارق ذلك الرجل بلاده ووطنه ؛ فلما اتصل الخبر بقاضي القضاة شق عليه ومنع نوابه من الضرب بها .
نعود إلى حال القاضي .
قال : وينبغي للقاضي أن يعدل بين الخصمين من حين يقدمان عليه إلى أن تنقضي خصومتهما في مدخلهما عليه وجلوسهما عنده وقيامهما بين يديه ، سواء كانا فاضلين في أنفسهما أو ناقصين ، أو أحدهما فاضلاً والآخر ناقصاً ؛ لقوله عز وجل : " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما " ، ولما جاء عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : " من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه ولفظه وإشارته ومقعده ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفع على الآخر " .
وفي رواية : " من ولي قضاء المسلمين فليعدل بينهم في مجلسه وكلامه ولحظه " .
وفي رواية : " إذا ابتلي أحدكم بالقضاء بين المسلمين فليسوّ بينهم في المجلس والإشارة والنظر ولا يرفع صوته على أحد الخصمين أكثر من الآخر " .
قال : " وإذا اختصم اثنان إلى القاضي فينبغي أن يأمر بالاصطلاح .
وشروط القضاء كثيرة يعرفها العلماء ، فلا حاجة إلى الزيادة والإسهاب في ذلك ؛ وإنما أوردنا ما قدمناه في هذا الباب منها حتى لا يخلى كتابنا منه .
ولنختم هذا الباب بما ورد من التزهيد في القضاء .
ذكر شيء مما ورد من التزهيد في تقلد القضاء والترغيب عنه
قد ورد في تقلد القضاء أحاديث وآثار تزهد فيه ، بل تكاد توجب الفرار منه : من ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله علي وسلم أنه قال : " من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين " ؛ وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) : " ما من أحدٍ حكم بين الناس إلا جيء به يوم القيامة وملكٌ آخذٌ بقفاه حتى يقف به على شفير جهنم فإن أمر به هوى به في النار سبعين خريفاً " .
وعن أبي ذر قال : قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ستة أيامٍ : " اعقل أبا ذرٍّ ما أقول لك " فلما كان اليوم السابع قال : " أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته وإذا أسأت فأحسن ولا تسأل أحداً شيئاً وإن سقط سوطك ولا تؤمن أمانةً ولا تولين يتامى ولا تقضين بين اثنين " .
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه لابن عمر : اذهب فكن قاضياً ؛ قال : أو يعفيني أمير المؤمنين ؟ قال : فإني أعزم عليك ؛ قال : لا تعجل علي ؛ قال : هل