كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)
"""""" صفحة رقم 225 """"""
أو لوزارة التفويض إذا كان نظره في المصالح عاماً .
فإن اقتصر على تنفيذ ما عجز القضاة عن تنفيذه ، وإمضاء ما قصرت يدهم عن إمضائه ، جاز أن يكون دون هذه الرتبة في القدر والخطر ، بعد ألا يأخذه في الحق لومة لائم ، ولا يستشفه الطمع إلى الرشوة .
ذكر من نظر في المظالم في الجاهلية والإسلام
.
والنظر في المظالم قديم ، كان الفرس يرون ذلك من قواعد الملك وقوانين العدل الذي لا يعم الصلاح إلا بمراعاته ، ولا يتم التناصف إلا بمباشرته ؛ وكانوا ينتصبون لذلك بأنفسهم في أيامٍ معلومة لا يمنع عنهم من يقصدهم فيها من ذوي الحاجات وأرباب الضرورات .
وسبب تمسكهم بذلك أن أصل قيام دولتهم رد المظالم .
وذلك أن كيومرث أول ملوكهم وقيل : إنه أول ملكٍ ملك من بني آدم كان سبب ملكه أنه لما كثر البغي في الناس وأكل القوي الضعيف وفشا الظلم بينهم ، اجتمع أكابرهم ورأوا أنه لا يقيم أمرهم إلا ملكٌ يرجعون إليه ، وملكوه ؛ على ما نورده إن - شاء الله - في فن التاريخ في أخبار ملوك الفرس . وكانت قريش في الجاهلية ، حين كثر فيها الزعماء وانتشرت الرياسات وشاهدوا من التغالب والتجاذب ما لم يكفهم عنه سلطان قاهر ، عقدوا بينهم حلفاً على رد المظالم ، وإنصاف المظلوم من الظالم .
وكان سبب ذلك أن رجلاً من اليمن من بني زبيدٍ قدم مكة معتمراً ومعه بضاعةٌ ، فاشتراها منه رجلٌ من بني سهم ، قيل : إنه العاص بن وائل ، فلواه بحقه ؛ فسأله ماله أو متاعه ، فامتنع عليه ؛ فقام على الحجر وأنشد بأعلى صوته :
يال قصيٍّ لمظلوم بضاعته . . . ببطن مكة نائي الدار والنفر
وأشعثٍ محرمٍ لم تقض حرمته . . . بين المقام وبين الحجر والحجر
أقائمٌ من بني سهمٍ بذمتهم . . . أو ذاهبٌ في ضلالٍ مال معتمر
وأن قيس بن شيبة السلمى باع متاعاً من أبي خلف فلواه وذهب بحقه ، فاستجار برجل من بني جمح فلم يجره ؛ فقال قيس :
يال قصيٍّ كيف هذا في الحرم . . . وحرمة البيت وأخلاق الكرم
أظلم لا يمنع منى من ظلم