كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 227 """"""
وأما في الإسلام : فقد نظر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في المظالم في الشرب الذي تنازعه الزبير بن العوام ورجلٌ من الأنصار في شراج الحرة فحضره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بنفسه ، وقال : " اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك " ، فقال له الأنصاري : أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم قال : " اسق ثم احتبس حتى يرجع الماء إلى الجدر ، فقال الزبير : والله إن هذه الآية أنزلت في ذلك " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم " .
وقد قيل في هذا الحديث إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ندب الزبير أولاً إلى الاقتصار على بعض حقه على طريق التوسط والصلح ، فلما لم يرض الأنصاري بذلك وقال ما قال ، استوفى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) للزبير حقه .
ويصحح هذا القول ما جاء في آخر الحديث : " فاستوفى له حقه " يعني الزبير .
ثم لم ينتدب للمظالم من الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم أحد ، وإنما كانت المنازعات تجري بين الناس فيفصلها حكم القضاء .
فإن تجوز من جفاة الأعراب متجوز ، ثناه الوعظ إن تدبره ، وقاده العنف إن أبى وامتنع ، فاقتصروا على حكم القضاء ، لانقياد الناس إليه والتزامهم بأحكامه .
ثم انتشر الأمر بعد ذلك وتجاهر الناس بالظلم والتغالب ، ولم يكفهم زواجر المواعظ ، فاحتاجوا في ردع المتغلبين وإنصاف المظلومين ، من الظالمين إلى النظر في المظالم ؛ فكان أول من انفرد للمظالم وجعل لها يوماً مخصصاً يجلس فيه للناس وينظر في قصصهم ويتأملها عبد الملك ابن مروان ، فكان إذا وقف فيها على مشكل رده إلى قاضيه أبي إدريس الأودي فنفذ فيها أحكامه ، فكان عبد الملك هو الآمر وأبو إدريس هو المباشر . ثم زاد جور الولاة وظلم العتاة واغتصاب الأموال في دولة بني أمية ، إلى أن أفضت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - فانتصب بنفسه للنظر في المظالم ، وراعى السنن العادلة ، ورد مظالم بني أمية على أهلها ؛ فقيل له وقد شدد عليهم فيها وأغلظ : إنا نخاف عليك ، من ردها ، العواقب ؛ فقال : كل ما أتقيه وأخافه دون يوم القيامة لا وقيته .
ثم جلس لها جماعةٌ من خلفاء الدولة العباسية ، فكان أول من جلس منهم المهدي ، ثم الهادي ، ثم الرشيد ، ثم المأمون ؛ وآخر من جلس لها منهم المهتدي .
ثم انتصب لذلك جماعةٌ من ملوك الإسلام أرباب الدول المشهورة بأنفسهم وأقاموا لها نوابا ،

الصفحة 227