كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 229 """"""
والثالث : كتاب الدواوين ، لأنهم أمناء المسلمين على بيوت أموالهم فيما يستوفونه ويوفونه منها ؛ فيتصفح أحوال ما وكل إليهم ، فإن عدلوا عن حق في دخلٍ أو خرجٍ إلى زيادة أو نقصان ، أعاده إلى قوانينه ، وقابل على تجاوزه .
وهذه الأقسام الثلاثة لا يحتاج والي المظالم في تصفحها إلى متظلم .
والرابع : تظلم المسترزقة من نقص أرزاقهم أو تأخيرها عنهم وإجحاف النظار بهم ؛ فيرجع إلى ديوانه في فرض العطاء العادل فيجريهم عليه .
وينظر فيما نقصوه أو منعوه ، فإن أخذه ولاة أمورهم استرجعه لهم ، وإن لم يأخذوه قضاه من بيت المال .
كتب بعض ولاة الأجناد إلى المأمون أن الجند شغبوا ونهبوا .
فكتب إليه : لو عدلت لم يشغبوا ، ولو قويت لم ينهبوا .
وعزله عنهم وأدر عليهم أرزاقهم .
والخامس : رد الغصوبات .
وهي على ضربين : أحدها غصوبٌ سلطانية قد تغلب عليها ولاة الجور ، كالأملاك المقبوضة عن أربابها ، إما لرغبةٍ فيها أو غير ذلك .
ويجوز أن يرجع في ذلك عند تظلمهم إلى ديوان السلطنة ، فإذا وجد فيه ذكر قبضها عن مالكها عمل بمقتضاه وأمر بردها إليه ، ولم يحتج فيه إلى بينة تشهد به ، وكان ما وجده في الديوان كافيا ، كالذي حكي عن عمر بن عبد العزيز أنه خرج ذات يومٍ إلى الصلاة فصادفه رجلٌ ورد من اليمن متظلما ، فقال :
تدعون حيران مظلوماً ببابكم . . . فقد أتاكم بعيد الدار مظلوم
فقال له : وما ظلامتك ؟ قال : غصبني الوليد بن عبد الملك ضيعتي ؛ فقال : يا مزاحم ائتني بدفتر الصوافي ؛ فوجد فيه : أصفى عبد الله الوليد بن عبد الملك ضيعة فلان ؛ فقال : أخرجها من الدفتر ، وليكتب برد ضيعته إليه ويطلق له ضعف نفقته . والضرب الثاني ، ما تغلب عليه ذوو الأيدي القوية وتصرفوا فيه تصرف الملاك بالقهر والغلبة ، فهذا موقوف على تظلم أربابه .
ولا ينتزع من غاصبه إلا بأحد أربعة أمور : إما اعتراف الغاصب وإقراره ؛ وإما بعلم والي المظالم ، فيجوز أن يحكم عليه بعلمه ؛ وإما ببينة تشهد على الغاصب بغصبه أو تشهد للمغصوب منه بملكه ؛ وإما بتظاهر الأخبار التي ينتفي عنها التواطؤ ولا تختلج فيها الشكوك ؛ لأنه لما جاز للشهود أن يشهدوا في الأملاك بتظاهر الأخبار ، كان حكم ولاة المظالم بذلك أحق .
والسادس : مشارفة الوقوف .
وهي ضربان : عامة وخاصة .
فأما العامة فيبدأ بتصفحها وإن لم يكن لها متظلم ، ليجريها على سبلها ويمضيها على شروط واقفها إذا

الصفحة 229