كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 232 """"""
ذكر ما ينبغي أن يعتمده ولاة المظالم عند رفعها إليهم وما يسلكونه من الأحكام فيها ، وما ورد في مثل ذلك من أخبارهم وأحكامهم فيما سلف من الزمان
.
قال الماوردي : لم تخل حال الدعوى عند الترافع فيها إلى والي المظالم من ثلاثة أحوال : إما أن يقترن بها ما يقويها ، أو يقترن بها ما يضعفها ، أو تخلو من الأمرين .
فإن اقترن بها ما يقويها ، فلما يقترن بها من القوة ستة أحوال تختلف بها قوة الدعوى على التدريج .
فأول أحوالها : أن يظهر معها كتابٌ فيه شهودٌ معدلون حضورٌ .
والذي يختص به نظر المظالم في مثل هذه الدعوى شيئان .
أحدهما : أن يبتدئ الناظر فيها باستدعاء الشهود للشهادة .
والثاني : الإنكار على الجاحد بحسب حاله وشواهد أحواله .
فإذا حضر الشهود ، فإن كان الناظر في المظالم ممن يجل القدرة ، كالخليفة أو وزير التفويض أو أمير الإقليم ، راعى من أحوال المتنازعين ما تقتضيه السياسة : من مباشرة النظر بينهما إن جل قدرهما ، أو رد ذلك إلى قاضيه بمشهدٍ منه إن كانا متوسطين ، أو على بعدٍ منه إن كانا خاملين .
حكي أن المأمون كان يجلس للمظالم في يوم الأحد ، فنهض ذات يومٍ من مجلسه فتلقته امرأةٌ في ثيابٍ رثة ، فقالت :
يا خير منتصفٍ يهدي له الرشد . . . ويا إماماً به قد أشرق البلد
تشكو إليك عميد الملك أرملةٌ . . . عدا عليها فما تقوى به أسد
فابتز منها ضياعاً بعد منعتها . . . لما تفرق عنها الأهل والولد
فأطرق المأمون يسيراً ثم رفع رأسه وقال :
من دون ما قلت عيل الصبر والجلد . . . وأقرح القلب هذا الحزن والكمد
هذا أوان صلاة الظهر فانصرفي . . . وأحضري الخصم في اليوم الذي أعد
المجلس السبت إن يقض الجلوس لنا . . . أنصفك منه وإلا المجلس الأحد
فانصرفت ، وحضرت في يوم الأحد أول الناس ؛ فقال لها المأمون : من خصمك ؟ فقالت : القائم على رأسك العباس بن أمير المؤمنين ؛ فقال المأمون لقاضيه

الصفحة 232