كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 234 """"""
ومن جيران المتنازعين فيه ، ليتوصل بهم إلى وضوح الحق ومعرفة المحق .
فإن لم يصل إليه بواحد من هذه الثلاثة ، ردها إلى وساطة محتشم مطاع ، له بهما معرفةٌ وبما يتنازعانه خبرة .
فإن حصل تصادقهما أو صلحهما بوساطته ، وإلا فصل الحكم بينهما على ما يوجبه حكم القضاء .
والحال الخامسة في قوة الدعوى : أن يكون مع المدعي خط المدعى عليه بما تضمنته الدعوى ، فنظر المظالم فيه يقتضي سؤال المدعى عليه عن الخط وأن يقال له : هذا خطك ؟ فإن اعترف به ، سئل بعد اعترافه به عن صحة ما تضمنه ، فإن اعترف بصحته ، صار مقراً وألزم حكم إقراره .
وإن لم يعترف بصحته فمن ولاة المظالم من حكم عليه بخطه إذا اعترف به وإن لم يعترف بصحته ، وجعل ذلك من شواهد الحقوق اعتباراً بالعرف .
والذي عليه محققوهم وما يراه الفقهاء أنه لا يجوز للناظر منهم أن يحكم بمجرد الخط حتى يعترف بصحة ما فيه ؛ فإن قال : كتبته ليقرضني وما أقرضني ، أو ليدفع إلي ثمن ما بعته وما دفع ، فهذا مما قد يفعله الناس أحياناً .
فنظر المظالم في مثله أن يستعمل الإرهاب بحسب الحال ثم يرد إلى الوساطة ؛ فإن أفضت إلى الصلح ، وإلا بت الحاكم بينهما بالتحالف .
وإن أنكر الخط ، فمن ولاة المظالم من يختبر الخط بخطوطه التي يكتبها ويكلفه من كثرة الكتابة ما يمنع من التصنع فيها ، ثم يجمع بين الخطين ، فإذا تشابها حكم به عليه .
والذي عليه المحققون منهم أنهم لا يفعلون ذلك للحكم به ولكن للإرهاب .
وتكون الشبهة مع إنكاره للخط أضعف منها مع اعترافه به ، وترتفع الشبهة إن كان الخط منافياً لخطه ويعود الإرهاب على المدعي ، ثم يردان إلى الوساطة فإن أفضت إلى الصلح وإلا بت القاضي الحكم بينهما بالأيمان .
والحال السادسة من قوة الدعوى : إظهار الحساب بما تضمنته الدعوى ، وهذا يكون في المعاملات .
ولا يخلو حال الحساب من أحد أمرين : إما أن يكون حساب المدعي أو المدعى عليه .
فإن كان حساب المدعي فالشبهة فيه أضعف .
ونظر المظالم في مثله أن يراعى نظم الحساب ، فإن كان مختلاً يحتمل فيه الإدغال كان مطرحاً ، وهو بضعف الدعوى أشبه منه بقوتها .
وإن كان نظمه متسقاً ونقله صحيحا ، فالثقة به أقوى ، فيقتضي من الإرهاب بحسب شواهده ، ثم يردان إلى الوساطة ، ثم إلى الحكم البات .
وإن كان الحساب للمدعى عليه ، كانت الدعوى به أقوى ، فلا

الصفحة 234