كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 238 """"""
يحلف المدعى عليه في كل مجلس على بعضها قصداً لإعناته وبذلته ، فالذي يوجبه حكم القضاء ألا يمنع من تبعيض الدعاوي وتفريق الأيمان ، والذي ينتجه نظر المظالم أن يؤمر المدعي بجمع دعاويه عند ظهور الإعنات منه و إحلاف الخصم على جميعها يميناً واحدة .
فأما إذا اعتدلت حالة المتنازعين وتقابلت شبهة المتشاجرين ولم يترجح أحدهما بأمارة ولا ظنة ، فينبغي أن يساوي بينهما في العظة ؛ وهذا مما يتفق عليه القضاة وولاة المظالم .
ثم يختص ولاة المظالم ، بعد العظة ، بالإرهاب لهما معاً لتساويهما ، ثم بالكشف عن أصل الدعوى وانتقال الملك .
فإن ظهر بالكشف ما يعرف به المحق منهما من المبطل عمل بمقتضاه ، وإن لم يظهر بالكشف ما ينفصل به تنازعهما ردهما إلى وساطةٍ من وجوه الجيران وأكابر العشائر ؛ فإن تحرر ما بينهما ، وإلا كان فصل القضاء بينهما هو خاتمة أمرهما .
وربما ترافع إلى ولاة المظالم في غوامض الأحكام ومشكلات الخصام ما يرشده إليه الجلساء ويفتحه عليه العلماء ، فلا ينكر عليهم الابتداء به ؛ ولا بأس برد الحكم فيه إلى من يعلمه منهم .
فقد حكي أن امرأةً أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت : يا أمير المؤمنين ، إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل ، وأنا أكره أن أشكوه وهو يعمل بطاعة الله ؛ فقال لها عمر : نعم الزوج زوجك فجعلت تكرر عليه القول ، وهو يكرر عليها الجواب ؛ فقال له كعب بن سور الأزدي : يا أمير المؤمنين ، هذه امرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها عن فراشه ؛ فقال له عمر رضي الله عنه : كما فهمت كلامها فاقض بينهما ؛ فقال كعبٌ : علي بزوجها ، فأتي به ؛ فقال له : امرأتك هذه تشكوك ؛ فقال الزوج : أفي طعام أو شراب ؟ قال كعب : لا في واحد منهما ؛ فقالت المرأة :
يا أيها القاضي الحكيم أرشده . . . ألهى حليلي عن فراشي مسجده
زهده في مضجعي تعبده . . . نهاره وليله ما يرقده
فلست من أمر النساء أحمده . . . فاقض القضا يا كعب لا تردده

الصفحة 238