كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 6)

"""""" صفحة رقم 24 """"""
ذلك إلا بالاهتمام والاستعانة بالله وتوطين نفسه على لزوم الحق والصبر عليه فيما خف عليه أو ثقل . فولّ من جنودك أنصحهم في نفسك لله تعالى ولرسوله ولإمامك ، وأنقاهم ، جيباً ، وأفضلهم حلماً ، ممن يبطئ عن الغضب ويستريح إلى العذر ورفق بالضعفاء وينبو عن الأقوياء ، وممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف .
ثم ألحق بذوي الأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة ، فإنهم جماع الكرم وشعب العرف ؛ ثم تفقد من أمورهم ما يتفقده الوالدان من ولدهما .
ولا يتفاقمن في نفسك شيء قويتهم به ؛ ولا تحقرنّ لطفاً تعاهدهم به وإن قلّ ، فإنه داعيةٌ لهم إلى بذل النصيحة لك ، وحسن الظن بك .
ولا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالاً على جسيمها ، فإن لليسير من لطفك موضعاً ينتفعون به ، وللجسيم موقعاً لا يستغنون عنه .
وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته وأفضل عليهم من جدته بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم حتى يكون همّهم همّاً واحداً في جهاد العدو ، فإن عطفك عليهم يعطف عليك قلوبهم ؛ وإن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية ؛ وإنه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدرهم ، ولا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة أمورهم وقلة استثقال دولهم وترك استبطاء انقطاع مدتهم ، فافسح في آمالهم وواصل في حسن الثناء عليهم وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم ، فإن كثرة الذكر لحسن فعالهم تهز الشجاع وتحرض الجبان إن شاء الله .
ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى .
ولا تضّمّن بلاء امرئ إلى غيره ، ولا تقصرنّ به دون غاية بلائه .
ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيراً ، ولا ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيماً .
واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب ويشتبه عليك من الأمور ؛ فقد قال الله تعالى لقوم أحب إرشادهم : " يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى الله والرسول " ؛ فالراد إلى الله هو الآخذ بمحكم كتابه ، والراد إلى الرسول الآخذ بسنته الجامعة غير المتفرقة .
ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ، ولا تممكه الخصوم ، ولا يتمادى في الذلة ، ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا

الصفحة 24